الـذاكــرة والتـاريــخ لبنـــان فــي القلــب دائمــاً الدكتور جميل بغدادي يصعب على أي باحث أو مؤرخ أو كاتب أو إعلامي أن يكتب عن تاريخ أمة أو أن يختزل أحداثها بصفحات قليلة، فالتاريخ مزدحم بالأحداث ، والذاكرة تضم أحداثاً تستوجب عرضها وسردها على القارئ ، كي يتعرف بشكل ما على تفاصيل هذا البلد أو الأمة التي نستذكر أحداثها ، وسأحاول خلال هذه الدراسة أن أدون بعض التفاصيل الهامة في تاريخ لبنان والتي استعنت خلالها بالأحداث الموثقة في موسوعتي رحلة في تاريخ الإنسانية ، واعتذر من القارئ لعدم الخوض في تفاصيل هامة أخرى لم أتطرق إليها ، كي لا يصبح الموضوع عبئاًً على متصفح الدراسة . أستطيع القول إنه خلال الفتح الإسلامي أطلق اسم بلاد الشام على المنطقة الجغرافية الممتدة من سلسلة جبال طوروس في الشمال إلى شبه جزيرة سيناء في الجنوب ، ومن الحدود العراقية السورية في الشرق إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط في الغرب . وكانت تضم يومها دمشق وحلب وحمص وفلسطين والأردن وقنسرين والعواصم والثغور . وبعد تنظيم الولايات العثمانية في عام 1867 بدأ يبرز للوجود مصطلح سورية الكبرى أو ولاية سورية ، وقد تم في البداية تقسيم بلاد الشام إلى أربع مناطق هي حلب ودمشق وصيدا وطرابلس، وبعد خروج المصريين تم ضم ولاية صيدا إلى دمشق ، وبعدها تم توحيد المنطقة الساحلية الممتدة من طرابلس إلى عكا في ولاية بيروت . وفي نهاية القرن التاسع عشر كان هناك ثلاث ولايات هي ولاية دمشق وحلب وبيروت ومتصرفيتا جبل لبنان والقدس . يعتبر لبنان من الدول الصغيرة في العالم فمساحته لا تتجاوز 10452 كيلومتراً مربعاً ورغم مساحته الصغيرة هذه إلا أنه كان دائماً محط الاهتمام وفي قلب الحدث . وموقعه الجغرافي الهام في جنوبي غربي القارة الآسيوية منحه المزيد من الأهمية ، يحده شمالاً وشرقاً سورية بطول حدود مشتركة لمسافة 375 كيلومتراً ، وغرباً البحر الأبيض المتوسط بشاطئ طوله 225 كيلومتراً ، وجنوباً فلسطين ، وتقع على سواحله الممتدة على البحر المتوسط مدن طرابلس وصور وصيدا التي اشتهرت أسماؤها عبر التاريخ . تتألف الأراضي اللبنانية أساساً من سلسلة جبل لبنان مع وادي البقاع الداخلي والسهل الساحلي ، وقد استخدم الجبل قديماً كملاذ للأقليات الدينية المسيحية والإسلامية كالشيعة والدروز نظراً لأن السنة كانوا يمثلون أغلبية اللبنانيين . وقد أعلن سكان الجبل رفضهم الخضوع للسلطنة العثمانية مستغلين الموقع المتميز الذي يتصدرونه ، ولهذا فقد اعترفت السلطنة العثمانية بإمارة الجبل ابتداءً من القرن السادس عشر وحتى عام 1841 ، حيث شهد هذا العام نزاعاً بين الموارنة والدروز بعد وفاة والي مصر محمد علي ، وشهدت المنطقة شحناً وتوتراً طائفياً وصل إلى ذروته القصوى في عامي 1860 - 1861 بتعرض المسيحيين إلى المذابح ، فسارعت فرنسا بالتدخل لحماية الموارنة ، وأطلق عليها اللبنانيون اعتباراً من هذا التاريخ الأم الحنونة . وتمت المصالحة بين الفرقاء واستمر الحال على هذا المنوال حتى عام 1914 حين أصبح الجبل ولاية مستقلة ذاتياً ضمن الإمبراطورية العثمانية باتفاق مع الدول الأوروبية شريطة أن يكون حاكمه مسيحي ومعاونوه من الطوائف الدينية المختلفة . لبنان دو تاريخ عريق موغل في القدم يعود إلى أكثر من 5000 عاماً قبل الميلاد أي إلى ما قبل الحضارة البشرية، حيث سكن الكنعانيون الساميون الساحل الشرقي للبحر المتوسط ، وتشير الدلائل أن مدينة جبيل هي أقدم مدينة مأهولة بالسكان في العالم ، وقد برهن العلماء عن وجود بقايا متحجرة تشير إلى أن الإنسان سكن المنطقة منذ أكثر من 7000 عاماً قبل الميلاد أي تعود بتاريخها إلى العصرين الحجري والنحاسي ، ولهذا فقد تبوأ لبنان وبجدارة منذ القدم مركز الحضارة الفينيقية فكان السبب في ازدهار المنطقة ، مما أدى بالنتيجة إلى طمع الآخرين بخيراتها فاحتلها الآشوريون ومن بعدهم البابليون فالفرس ، ثم خضع فيما بعد للسيطرة الإمبراطورية الرومانية ومن ثم للإمبراطورية البيزنطية ، حتى وصل إليه الفتح الإسلامي العربي على يد القائد خالد بن الوليد سيف الله المسلول في عام 636 بعد انتصاره العظيم على القوات البيزنطية في معركة اليرموك ، وقد نعم لبنان بالهدوء والرخاء في العهد الأموي ، غير أن الأمور انعكست سلباً بتولي الخلافة العباسية الحكم في عام 570 وفرضهم الضرائب على الشعب ، مما جعل الشعب اللبناني يعلن عصيانه عليهم ، واستمرت الثورة حتى سقوط الخلافة العباسية واستيلاء الفاطميين على الحكم وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه في سابق عهدها . نتيجة للمتغيرات الدولية وسقوط إمبراطوريات وظهور إمبراطوريات جديدة ، أدرك الغرب أهمية الوطن العربي نظراً لموقعه الجغرافي المتميز ولخيراته الكثيرة الطبيعية والباطنية إضافة إلى وجود المعالم الدينية ، فالوطن العربي حافل بأماكن العبادة الدينية للطوائف الدينية الإسلامية والمسيحية ، ومن المؤكد أن الوطن العربي أصبح قبلةً للأنظار باعتباره مهداً للديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلامية ، ولقد استغلت الدول الأوروبية وجود الأماكن المقدسة المسيحية لتبرر لنفسها غزو المشرق العربي ، فتنادت إمبراطورياتها لغزو المشرق العربي لوضع اليد على المقدسات الدينية في فلسـطين وخاصة في مدن بيت لحم والقدس والخليل فهناك ولد يسوع المسيح وبدأ تعاليمه بنشـر رسالة المحبة والسلام رغم اضطهاده وتعذيبه وصلبه ، وبارك باباوات روما هذه الغزوات وشجعوها ، وتم تسيير سبع حملات صليبية ، انطلقت الأولى في عام 1095 بمباركة من البابا أوربان الثاني وقادها دوق اللورين جودفري وتمكنت من احتلال مدينة القدس في 15 تموز 1099 بعد حصار المدينة لمدة 40 يوماً بسبب استبسال الفاطميين برئاسة القائد افتخار الدولة ، الذي هرب مع حاميته واحتمى في الحرم الشريف حيث يوجد المسجد الأقصى وقبة الصخرة ، إلا أن المهاجمين تعقبوهم وأبادوهم بكل عنف ووحشية لا مبرر لها. وفي عام 1270 قام لويس التاسع ملك فرنسا بحملة صليبية جديدة في عهد السلطان المملوكي بيبرس . تمكنت القوات الصليبية خلال حملاتها السبع من احتلال العديد من المدن ومـن بينها المدن اللبنانية الساحلية ، واستعاد لبنان حريته مجـدداً في العصر المملوكي ، ولكنه خضع فيما بعد إلى الاحتلال العثماني شأنه شأن بقية الدول العربية . فبعد انتصار السلطان العثماني سليم الأول على قوات المماليك الشراكسة بزعامة السلطان قانصوه الغوري الأشرف أبو النصر في 24 آب 1516 في معركة مرج دابق شمال حلب ، حيث بسط نفوذه على بلاد الشام (سورية ولبنان والأردن وفلسطين) ، وحكمت الإمبراطورية العثمانية البلاد العربية بقبضة من حديد لمدة أربعمائة عاماً ، ومارست سياسة التتريك حين أرادت أن تحل اللغة التركية مكان اللغة العربية وفي هذا عدوان اثني واضح لإجبار العرب للتخلي عن لغتهم بالقوة . وقد فشل المخطط التركي بسبب ظهور التيارات القومية والفكرية التي حافظت على الهوية العربية واللغة العربية رغم محاولات الأتراك منع استخدام اللغة العربية في مؤسسات وإدارات الدولة وفي التعليم . ولم تنجح تركيا في هدفها لسببين رئيسيين لا يستطيع أحد أن ينكرهما أولاً لأن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم ، وثانياً مساهمة الكثير من الأدباء والمثقفين العرب في الحفاظ على الهوية العربية وفي مقدمتهم أدباء ومفكري لبنان وسورية ومصر . وقد استغلت الدول الأوروبية وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا الغضب العربي الكبير من سياسة القوة التي انتهجها الأتراك ضد الدول العربية ، واتصلوا بالشريف حسين بن علي أمير مكة وأقنعوه بإعلان الثورة ضد الدولة العثمانية مقابل وعود مغرية بمنح البلاد العربية استقلالها مع نهاية الحرب العالمية الأولى . ولهذا فقد أطلق الشريف حسين في 10 حزيران 1916 الرصاصة الأولى من شرفة منزله إيذاناً بإعلان الثورة العربية الكبرى ضد الاحتلال العثماني فأعلنت الدول العربية وقوفها إلى جانب الحلفاء ضد دول المحور ، وظل حلم الاستقلال يراود العرب حتى تبين لهم من خلال الاتحاد السوفيتي زيف ادعاءاتهم ، حيث تم الكشف عن مضمون وثيقة سايكس بيكو السرية الموقعة في 16 أيار 1916 بين المندوبين الفرنسي جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس والتي تنص على اقتسام الوطن العربي ، وكانت سورية ولبنان من نصيب فرنسا ، والعراق وفلسطين وشرقي الأردن من نصيب بريطانيا . في 8 تشرين الأول 1918 أنزل الأسطول الفرنسي في بيروت بقيادة الكولونيل دي بياباب فتسلم مقاليد الأمور في بيروت وأنزل العلم العربي عن سراي بعبدا وبيروت ، ورفع العلم الفرنسي . وقد قسم الفرنسيون سورية إلى 3 مناطق هي : ـ المنطقة الجنوبية : وتمثل فلسطين من حدود مصر جنوباً إلى الناقورة شمالاً ونهر الأردن شرقاً ويديرها الانكليز . ـ المنطقة الشرقية : وتشمل ولاية سورية ومعان ، وتمتد إلى الفرات شمالاً . ويديرها الأمير فيصل ابن الشريف حسين . ـ المنطقة الغربية : وتضم متصرفية جبـل لبنان وولايات بيروت وطرابلس واللاذقية وإسكندرونة ، ويديرها الفرنسيون . وقد أكد المؤتمر السوري في 7 حزيران 1919 حق الشعب في وحدة بلاده واستقلالها ضمن حدودها الطبيعية ، من جبال طوروس شمالاً إلى خط رفح - العقبة جنوباً ، ومن نهر الفرات والخابور شرقاً ، والبحر المتوسط غرباً، هذه المنطقة التي قسمت فيما بعد إلى أربع دول هي سورية ولبنان وفلسطين وشرقي الأردن . وبدأ الانتداب الفرنسي على لبنان بشكل فاعل في عام 1920 ، وسارع الفرنسيون إلى إعلان دولة لبنان الكبير الذي ضم المدن الساحلية ومناطق الشمال ووادي البقاع وسفوح سلسلة جبال لبنان الشرقية حتى متصرفية جبل لبنان ، غير أن لبنان تمكن ورغم وجود الانتداب من أن يصبح جمهورية في عام 1926 . وتمكن من إعلان الدستور في عام 1929 على غرار الدستور الفرنسي في جمهوريته الثالثة ، ولكنه منح رئيس الجمهورية سلطات أكثر . وحصل لبنان على وعد بالاستقلال في عام 1936 خلال مرحلة انتقالية مدتها ثلاث أعوام ، غير أن الفرنسيين تملصوا من وعودهم . وباندلاع الحرب العالمية الثانية أعلن الجنرال كاترو باسم حكومة فرنسا الحرة انتهاء الانتداب واستقلال لبنان ، ولكن الفرنسيين بالرغم من ذلك مارسوا سلطتهم الفعلية على قوات الجيش والأمن وسيطرتهم المالية على مقدرات البلاد . وازداد الأمر سوءً عندما اعتقلت القوات الفرنسية في 11 تشرين الثاني 1943 الشيخ بشارة الخوري رئيس الجمهورية ورئيس حكومته رياض الصلح والوزراء كميل شمعون وسليم تقلا وعادل عسيران والنائب عبد الحميد كرامي ، ولم يتم الاكتفاء بذلك بل صدر قرار بحل مجلس النواب وتعطيل الدستور ، مما أغضب الشعب اللبناني ودفعه مجدداً إلى إعلان الثورة ، وقد رضخت فرنسا للضغط الشعبي وأطلقت سراح المعتقلين في 22 تشرين الثاني 1943 ، حيث اعتبر هذا اليوم عيداً وطنياً في لبنان . كرس الميثاق الوطني في لبنان الطائفية السياسية من خلال توقيع اتفاق بين الرئيس بشارة الخوري والزعيم السني رياض الصلح ، وتم خلاله إقرار المساواة بين اللبنانيين واقتسام الوظائف الحكومية تبعاً لنسب الطوائف الدينية في البلاد ، فتم بذلك تحول جديد في السياسة اللبنانية المستقبلية على اعتبارها أصبحت المرجع الذي يتم من خلاله تقاسم المناصب السياسية والوظائف الإدارية في كل قطاعات الدولة . يذكر أن هذا الميثاق منح الموارنة دون سواهم من المسيحيين امتيازاً خاصاً فرئيس الجمهورية يجب أن يكون مورانياً ، ورئيس الحكومة سنياً ، ورئيس مجلس النواب شيعياً . وقد حاول الفرنسيون يومها عرقلة الميثاق لأنه يتعارض مع مصالحهم ، غير أن بريطانيا مارست ضغطها على فرنسا لتمرير الميثاق . ولعب لبنان دوره الفاعل على الصعيدين العربي والدولي ، عربياً شارك في الاجتماعات التمهيدية لإنشاء الجامعة العربية ووقع في 22 آذار 1945 مع كل من مصر والسعودية والأردن والعراق وسورية واليمن على ميثاق الجامعة في القاهرة ، وانضم في 24 تشرين الأول 1945 إلى هيئة الأمم المتحدة . وكان له دور فاعل في الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في 15 أيار 1948 فور إعلان الكيان الصهيوني قيام إسرائيل ، وبانتهاء الحرب وقع لبنان في 23 آذار 1949 هدنة مع إسرائيل ومن خلالها انسحبت إسرائيل من أربع قرى كانت تحتلها وتم وضع منطقة معزولة السلاح على جانبي الحدود لمنع تسلل الأفراد أو القوات من الجانبين . بدأ لبنان يأخذ موقعه على الساحة العربية والعالمية وقد ركز اهتمامه على الجانب السياحي والتجاري فأصبح قبلة الأنظار، وشهد تطوراً كبيراً في هذه المجالين على وجه الخصوص ، وأطلق عليه الشرق والغرب لقب سويسرا الشرق ، وقد استحق اللقب بجدارة ، فكان بلداً مميزاً في المنطقة قصده السائحون من كل صوب وناحية ، وأصبحت عاصمته مركزاً للمصارف والشركات الأجنبية . ولكن التركيبة السياسية والدينية في لبنان أدت إلى حدوث خلل جديد في الشأن الداخلي اللبناني . وقد شهد لبنان في تاريخه المعاصر أحداثاً مؤسفةً ويأتي في مقدمتها الحرب الأهلية التي اندلعت في 8 أيار 1958 ، وكان أحد أسبابها اغتيال الصحافي التقدمي نسيب المتني بإطلاق النار عليه ، وكان أقطاب المعارضة في لبنان وعلى رأسهم الزعيم الدرزي كمال جنبلاط وصائب سلام وعبد الله اليافي وأحمد الأسعد وعدد آخر من السياسيين ضد تمديد الفترة الرئاسية لرئيس الجمهورية كميل شمعون وكان هذا هو السبب المباشر لهذه الحرب ، فاستنجد الرئيس شمعون بالرئيس الأمريكي دوايت ديفيد ايزنهاور الذي أعطى الأوامر لقواته بإحباط مخططات المعارضة ومنعهم بأي طريقة من إسقاط النظام الرئاسي ، وقد انتشرت القوات الأمريكية في منطقة الأوزاعي قرب بيروت فور وصولها في 15 تموز 1958 ، وفي 31 تموز 1958 تم انتخاب قائد الجيش فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية ، واستلم سلطته الفعلية في 22 أيلول 1958 . وتم تأليف وزارة جديدة برئاسة رشيد كرامي في 24 أيلول 1958 بعد تحقيق الوفاق بين الأطراف المتنازعة فانسحبت القوات الأمريكية من حيث جاءت . كما شهد لبنان في نهاية عام 1961 ثورة عسكرية تمكن الجيش من السيطرة عليها ومحاكمة المتآمرين . يشكل لبنان العمق الاستراتيجي لسورية نظراً لأن تضاريسه تعتبر امتداداً جغرافياً لها ، وقد ظهر هذا الاهتمام بشكل كبير بعد هزيمة الدول العربية الثلاث مصر وسورية والأردن في حرب الخامس من حزيران 1967 أمام إسرائيل . وقد ازداد هذا الاهتمام بشكل علني أثناء الحرب الأهلية التي اندلعت في لبنان عام 1975 فسارعت سورية لتقديم المساعدة من أجل احتواء الأزمة وإطفاء فتيل الأزمة ، فقد كانت دمشق حريصة على تحقيق الوفاق والأمن والاستقرار في ربوع لبنان ، لأن أي خطر سيصيب لبنان سيعود بالضرر على سورية كونها الأكثر تأثراً والتصاقاً بلبنان من جهة ، ونظراً للروابط التاريخية المشتركة بين البلدين من جهة أخرى ، وخوفاً من حدوث أي اختراق أمني إسرائيلي باتجاه سورية عبر الأراضي اللبنانية . في عام 1975 اندلعت حرب عنيفة في لبنان ، كانت حرباً ضروساً تحول فيها قتل الإنسان لأخيه الإنسان عبر الهوية ومن غير أي رجمه ، فعامل الدين يومها لعب دوراً كبيراً في استمرارها لمدة 15 عاماً ، وهي الحرب الأطول من نوعها في العصر الحديث ، أرهقت لبنان ودمرت بنيته التحتية ، وأودت بحياة الآلاف من مواطنيه والميليشيات المتحاربة اللبنانية والفلسطينية والكثير من أفراد قوات الردع العربية المؤلفة من سورية والسعودية والسودان واليمن والإمارات ، إضافة إلى القوات اللبنانية . وكانت الشرارة الأولى لهذه الحرب في 13 نيسان 1975 عندما قام مجهولون بمحاولة اغتيال رئيس حزب الكتائب الشيخ بيير الجميل ، صحيح أنه نجا من الاغتيال إلا أن أربعة أشخاص لقوا حتفهم منهم اثنين من حراسه الشـخصيين ، وردت الكتائب بعنف كبير على محاولة اغتيال زعيمها ، فقد اعترضت ميليشياتها حافلة كانت تقل أعضاء من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة إلى مخيم تل الزعتر مروراً بمنطقة عين الرمانة ، مما أدى إلى مصرع 27 فلسطينياً . وقد عرفت هذه الحادثة باسم حادثة البوسطة وكانت السبب في اندلاع القتال بين الميليشيا والفلسطينيين بداية ، ثم أصبحت حرب ميليشيات تعتمد الطائفية في حربها لتشمل كل لبنان ، وبدأت مشاهد القتل والتدمير تتكرر يومياً في مشاهد مأساوية نقلتها شاشات التلفزة العربية والعالمية رغم بشاعتها من خلال نشرات الأخبار والبرامج المتخصصة . في 21 كانون الثاني 1976 أعلن الناطق باسم البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي جيرالد فورد تخلى عن معارضته لأي تدخل عسكري خارجي في لبنان ، وأن الولايات المتحدة كان من الضروري عليها أن تأخذ بعين الاعتبار طبيعة سورية . وكان هذا الإعلان إشارة من الرئيس فورد إلى الرئيس السوري حافظ الأسد بضرورة التدخل لإنقاذ لبنان من محنته . وفي 29 كانون الثاني 1976 أعلن الناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية أن بلاده تعترف بأهمية الدور الذي تقوم به سورية ، بالنسبة لتسوية الأزمة اللبنانية . وكان الهدف من دخول القوات السورية في إطار قوات الردع العربية العمل على إخماد الحرب الأهلية ، ونزع سلاح المليشيات المتحاربة وحماية لبنان والحفاظ عليه . دخلت قوات الردع بدايةً إلى منطقة عكار في شمال لبنان ، واعتباراً من 1 حزيران 1976 بدأت القوات السورية تسيطر على المواقع الإستراتيجية في سهل البقاع . وقد صرح الرئيس اللبناني كميل شمعون في 16 حزيران 1976 لقد اتفقنا مع سورية على خطط ترضينا . وفي 9 آب 1976 صرح مجدداً في دمشق أنا أثق ثقةً كاملةً بالرئيس حافظ الأسد ، وسورية هي الدولة الوحيدة التي تستطيع فرض السلام في لبنان . في 14 آذار 1978 أقامت إسرائيل حزاماً أمنياً بمسافة 10 كيلومترات لحماية شمالها من هجمات الفلسطينيين . وقد أدان مجلس الأمن هذه العملية من خلال القرار رقم 425 الصادر في 19 آذار 1978 والذي طالب بانسحاب القوات الإسرائيلية الفوري وغير المشروط من لبنان . وقد اتخذت إسرائيل من وجود قوات الردع العربية ، وخاصة القوات السورية وقوات المقاومة الفلسطينية ذريعة لعدوانها على لبنان معتبرةً أن وجودهما يشكل خطراً استراتيجياً على سلامة أمنها . وقد قاطعت دول العالم إسرائيل بسبب حربها العدوانية ، فسارعت أمريكا بإنقاذ ربيبتها بالمساعدات العسكرية والمالية وتوسيع إطار تعاونها الاستراتيجي والسياسي معها . وقد تمكن المبعوث الأمريكي من إقناع جيش الاحتلال الإسرائيلي بعدم مواجهة القوات السورية اعتباراً من 11 حزيران 1982 من خلال إعلان رسمي من الكيان الصهيوني أوضح أن الغرض من هذا الغزو هو إبعاد القوات الفلسطينية إلى مسافة لا تقل عن 40 كيلومتراً عن الحدود الإسرائيلية الشمالية ، غير أنها هاجمت القوات السورية في البقاع ، وتابعت تقدم قواتها في مختلف المناطق وعلى جميع المحاور نحو بيروت . وكانت العاصمة اللبنانية يومها مقسمة بين القوات اللبنانية المنتشرة في بيروت الشرقية والقوى الوطنية المتواجدة في بيروت الغربية ومعها القوات السورية والفلسطينية . وفي 14 كانون الثاني 1985 قررت إسرائيل تحت ضغط المقاومة اللبنانية وتعاظم الخسائر التي منيت بها سحب قواتها من لبنان باستثناء الشريط الحدودي ، وتم الانسحاب على أرض الواقع في شهر أيار 1985 . في 5 حزيران 1982 بدأت إسرائيل قصفها الجوي والمدفعي الكثيف الذي استهدف مدينة صيدا وقرى النبطية والدامور وتبنين وعرنون وقلعة الشقيف . ودخلت الأراضي اللبنانية في 6 حزيران 1982 ، وتم اجتياز المواقع الذي كان يشغلها 7000 جندي تابعين لقوات الأمم المتحدة . بعد أن أعطى الرئيس الأمريكي رونالد ريغان الضوء الأخضر لحليفته إسرائيل من أجل تدمير منظمة التحرير الفلسطينية ، بعد تأكيد إسرائيلي لسيد البيت الأبيض أنها ستدخل لبنان إلى مسافة لا تتجاوز 30 كيلومتراً من أجل تحقيق أمنها والدفاع عن نفسها ، ولكن الحقيقة كانت على خلاف التعهد فقد سيطرت إسرائيل على نصف مساحة لبنان . في 14 حزيران 1982 شكل في لبنان ما عرف باسم القيادة المشتركة للقوات الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية أو هيئة الإنقاذ الوطني في بيروت وذلك تلبيةً لدعوة من الرئيس اللبناني إلياس سركيس ضمت زعماء الميليشيات والطوائف الرئيسية في لبنان وكتيبتين سوريتين . كان هدف هيئة الإنقاذ هو منع تفاقم أزمة المواجهة المسلحة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية . ومع اقتراب نهاية فترة الرئيس سركيس تم تنظيم انتخابات رئاسية في بيروت ، وقام البرلمان اللبناني في 23 آب 1982 بانتخاب بشير الجميل رئيساً بإجماع 57 صوتاً وامتناع 5 عن التصويت ، وعدم اشتراك أغلبية الكتلة المسلمة في البرلمان لاعتبارها الجميل حليفاً لإسرائيل وذلك لاجتماعه مع رئيس وزراء إسرائيل ميناحيم بيغن في 1 أيلول 1982 . وفي 14 أيلول 1982 أي قبل 9 أيام من تسلمه مهامه الرئاسية تم اغتياله بقنبلة موقوتة دمرت مبنى حزب الكتائب المؤلف من ثلاث طوابق في بيروت الشرقية وأدت إلى مصرع أكثر من مائة شخصاً ، وبعد أسبوع واحد فقط أي في 21 أيلول 1982 انتخب البرلمان اللبناني شقيقه أمين الجميل رئيساً للجمهورية ، فطلب من زعيم الكتلة المسلمة ورئيس الوزراء شفيق الوزان البقاء في منصبه كرئيس للوزراء . وفي 5 حزيران 1982 أصدر مجلس الأمن القرار رقم 508 القاضي بوقف النشاطات العسكرية كافة داخل الأراضي اللبنانية وعبر الحدود . غير أن إسرائيل لم تتقيد بهذا القرار ، ولا بالقرارات التي صدرت بعده لأن الولايات المتحدة الأمريكية ألغت أي شرعية لهذه القرارات باستخدامها حق الفيتو . مع اقتراب نهاية كانون الأول 1982 دخل لبنان في محادثات مع إسرائيل بوساطة الولايات المتحدة من أجل التوصل إلى تطبيع العلاقات بين البلدين وإيجاد آلية لانسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان مع ضمانات بعدم تعرض الحدود الشمالية لإسرائيل لأية هجمات من قبل منظمة التحرير الفلسطينية ، وبعد مفاوضات ومحادثات استغرقت قرابة 6 أشهر توصل الطرفان إلى اتفاق 17 أيار 1983 القاضي بجلاء القوات الإسرائيلية ، ووقعه عن الجانب اللبناني السفير أنطوان فتال وعن الجانب الإسـرائيلي ديفيد كمحي ، إضافة إلى المندوب الأميركي موريس درايبر ، حيث وافق الطرفان بموجبه على إنهاء حالة الحرب التي كانت قائمة بين الدولتين منذ قيام دولة إسرائيل في عام 1948 ، وبالرغم من إصرار إسرائيل على توقيع اتفاقية سلام رسمية إلا أن لبنان اكتفى باتفاقية عدم الحرب ، حيث كانت القيادة اللبنانية متخوفة من أن يعزلها العالم العربي عقاباً لها في حال توقيعها اتفاقية سلام . وقد نصت الاتفاقية على انسحاب الجيش الإسرائيلي خلال شهرين أو ثلاثة أشهر ، شرط أن تقوم سورية ومنظمة التحرير بانسـحاب مماثل . وقد اتفق الطرفان على وجود هيئات دبلوماسية للدولتين على أراضي الآخر، وتشكيل حزام أمني إسرائيلي في جنوب لبنان يتواجد فيه . وقد وافق البرلمان اللبناني في 14 حزيران 1983 على هذه الوثيقة بالأكثرية المسيحية مع غياب كامل للشيعة والسنة ، وفي إسرائيل وقعت الكنيست على الاتفاق . غير أنها بقيت اتفاقية مجرد حبر على الورق ، حيث لم ينسحب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية ، واعتبر الرئيس السوري حافظ الأسد بقاء إسرائيل في الجنوب اللبناني منافياً لمبادئ سيادة لبنان وخطراً على أمن سورية . لقد تدخلت القوات السورية في لبنان مرة جديدة تلبية لنداء رئيس الحكومة رشيد كرامي في 6 شباط 1984 بعد اندلاع المعارك الداخلية المؤسفة بين قوات حركة أمل التي يتزعمها نبيه بري وقوات الحزب التقدمي الاشتراكي التي يتزعمها وليد جنبلاط ضد مسلحي المخيمات الفلسطينية . بعد اجتماعات عدة بين المسؤولين في سورية ولبنان صدر بيان عن مجلس الوزراء اللبناني في 5 آذار 1984 بإلغاء اتفاق 17 أيار 1983 واعتباره باطلاً وكأنه لم يكن ، وإلغاء كل ما يمكن أن يكون ترتب عليه من آثار . وإبلاغ هذا القرار الفرقاء الموقعين الاتفاق . وقيام الحكومة اللبنانية بالخطوات اللازمة التي تؤدي إلى وضع ترتيبات وتدابير أمنية تؤمن السيادة والأمن والاستقرار في جنوب لبنان ، وتمنع التسلل عبر الحدود الجنوبية ، وتحقق انسحاب القوات الإسرائيلية من كل الأراضي اللبنانية . وكانت المقاومة الوطنية اللبنانية قد أثبتت دورها الفاعل في الحرب وبدأت بمهاجمة القوات الأمريكية التي لم تستهدفها سابقاً ، ويعود استهدافها بعد أن قامت بارجتان أمريكيتان بقصف القوات الدرزية المتواجدة في سوق الغرب ، ففجر رجال المقاومة يوم 18 نيسان 1983 السفارة الأمريكية في بيروت ، مما أدى إلى مصرع أكثر من 60 شخصاً وإصابة العشرات بجراح ، كما قُتل 239 جندياً أمريكياً بقصف مدفعي مركز على قيادة القوات الأمريكية المتواجدة على مقربة من مطار بيروت يوم 23 تشرين الأول 1983 ، وفجر رجال المقاومة سيارة مفخخة استهدفت حاجزاً عسكرياً مشتركاً للمارينز و القوات الفرنسية في 23 تشرين الأول 1983 ، مما أدى إلى مصرع 58 جندياً فرنسياً و 241 من المارينز . فاتخذت القوات الأمريكية قراراً بالانسحاب من لبنان في 22 شباط 1984 . في 29 آب 1984 نعى لبنان رئيس الكتائب الشيخ بيير الجميل ، وبوفاته خسر الرئيس اللبناني أمين الجميل الكثير من أنصاره من الموارنة وبدأ يفقد دعمها ، وسرعان ما انقلب عليه د. سمير جعجع قائد القوات اللبنانية وتمكن الجميل من احتواء الأزمة ، وأصبح إيلي حبيقة الزعيم الجديد للقوات . وفي 18 كانون الأول 1985 تم توقيع اتفاق تاريخي في مدينة دمشق برعاية الرئيس السوري حافظ الأسد جمع زعماء الميليشيات اللبنانية زعيم حركة أمل نبيه بري ، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ، والياس حبيقة عن القوات اللبنانية ، وعدد كبير من الشخصيات الفاعلة على الساحتين الإسلامية والمسيحية ، ونص الاتفاق على وضع حد لحالة الحرب وتشكيل حكومة وحدة وطنية والاتفاق على حل الميليشيات المسلحة والموافقة على مرحلة انتقالية يتساوى فيها عدد مقاعد النواب المسيحيين والمسلمين في البرلمان ، وتقوية سلطة الحكومة على حساب سلطة الرئيس ، وإنهاء الطائفية السياسية وإقامة علاقات تكامل مع سورية فيما يتعلق بالدفاع والأمن والسياسة والاقتصاد وتنسيق المواقف في الشؤون الخارجية . وقد رفض الرئيس اللبناني أمين الجميل التوقيع على الاتفاق . في 22 أيلول 1988 كان اليوم الأخير للولاية الرئاسية للرئيس الجميل ومورس الضغط عليه من أجـل تعيين قائد الجيش العماد ميشال عون رئيساً للحكومة ومكلفاً للقيام بمهام رئيس الجمهورية بالوكالة ، فوقع القرار وأصبح في لبنان حكومتان ، حكومة برئاسة د. سليم الحص وكانت مدعومة من سورية ، وحكومة فرضت على البلاد برئاسة قائد الجيش . وسرعان ما أعلن العماد عون حرب التحرير ضد سورية وكان ذلك في 14 آذار 1990 ، واستبق ذلك بمهاجمة القوات اللبنانية التي عادت رئاستها للدكتور سمير جعجع ، ومهاجمة قوات الزعيم الدرزي وليد جنبلاط . وقد أرهقت الحرب الجديدة اللبنانيين وزادت من معاناتهم على الصعد كافة ، وتدخلت الدول العربية في إطار جامعة الدول العربية للتوسط لدى سورية ، التي لبت الدعوة والتقت مع الفرقاء اللبنانيين في المملكة العربية السعودية في 30 أيلول 1990 ، وتكررت اللقاءات حتى أثمرت عن توقيع اتفاق الطائف في 24 تشرين الأول 1990 والتي تمحورت حول الإصلاحات الدستورية ودور سورية في لبنان . ومما جاء فيه : تقوم حكومة الوفاق الوطني بوضع خطة أمنية مفصلة مدتها عام ، هدفها بسط سلطة الدولة اللبنانية تدريجياً على كامل الأراضي اللبنانية بواسطة قواتها الذاتية ، والإعلان عن حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية خلال ستة أشهر تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني ، وانتخاب رئيس الجمهورية ، وتشكيل حكومة الوفاق الوطني ، وإقرار الإصلاحات السياسية بصورة دستورية ، وتعزيز قوى الأمن الداخلي والقوات المسلحة . ومن واقع العلاقات الأخوية التي تربط سورية بلبنان ، تقوم القوات السورية مشكورة بمساعدة قوات الشرعية اللبنانية لبسط سلطة الدولة اللبنانية في فترة زمنية محددة أقصاها سنتان تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني ، وانتخاب رئيس الجمهورية ، وتشكيل حكومة الوفاق الوطني ، وإقرار الإصلاحات السياسية بصورة دستورية ، وفي نهاية هذه الفترة تقرر الحكومتان السورية وحكومة الوفاق الوطني اللبنانية ، إعادة تمركز القوات السورية في منطقة البقاع ومدخل البقاع الغربي في ضهر البيدر حتى خط حمانا المديرج عين داره ، وإذا دعت الضرورة في نقاط أخرى يتم تحديدها بواسطة لجنة عسكرية لبنانية سورية مشتركة . كما يتم تحديد حجم ومدة تواجد القوات السورية في المناطق المذكورة أعلاه بين الحكومتين ، وتحديد علاقة هذه القوات مع سلطات الدولة اللبنانية في أماكن تواجدها ، واللجنة الثلاثية العربية العليا مستعدة لمساعدة الدولتين في الوصول إلى هذا الاتفاق إذا رغبتا في ذلك . وجاء في الاتفاق أن إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية ، وعلى مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق هذا الهدف ، وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية ، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية . مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية . ويتم في المرحلة الانتقالية ما يلي : ـ إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة والمصالح المستقلة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة ، إلغاء ذكر الطائفة والمذهب في بطاقة الهوية الشخصية ، إعادة النظر في التقسيم الإداري بما يؤمن الانصهار الوطني وضمن الحفاظ على العيش المشترك ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات ، اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى عن طريق انتخاب مجلس لكل قضاء تأميناً للمشاركة المحلية . وتأمينا لمبدأ الانسجام بين الدين والدولة يحق لرؤساء الطوائف اللبنانية مراجعة المجلس الدستوري في ما يتعلق بالأحوال الشخصية ، وحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية ، وحرية التعليم الديني. وقد رفض العماد ميشال عون اتفاق الطائف في 4 تشرين الثاني 1990 وأعلـن عن حل البرلمان . وفي 5 تشرين الثاني 1990 تم انتخاب رينيه معوض رئيساً للبنان ، ورفض كل من العماد عون والدكتور جعجع هذا الانتخاب . وفي 7 تشرين الثاني 1990 أعلن ميشال عون نفسه رئيساً على لبنان وأصبح فيه رئيسان للجمهورية ، وقد بادر الرئيس الشرعي رينيه معوض في 13 تشرين الثاني 1990 بتعيين د. سليم الحص رئيساً للحكومة . وشهد لبنان جريمة اغتيال جديدة استهدفت رئيس الجمهورية رينيه معوض وكان ذلك في 22 تشرين الثاني 1990 . وقد تم في 24 تشرين الثاني 1990 انتخاب الياس هراوي رئيساً للجمهورية . مع مطلع عام 1991 تجلت بوضوح دلائل خسارة العماد عون للشرعية وكان ذلك بعد محاولته منع نشر اسم الرئيس هراوي في الصحف اللبنانية الصادرة في قطاعه ، فاصطدم مع أقطاب الموارنة وفي مقدمتهم د. سمير جعجع . ولجأت سورية بدورها لاستخدام القوة العسكرية لإجباره على التنحي ، فقامت في 13 تشرين الأول 1991 بقصف مواقعه باستخدام الطيران ، فأعلن استسلامه وهرب إلى السفارة الفرنسية في منطقة الحازميـة في بيروت طلباً للجوء السياسي ، حيث تم ترحيله إلى فرنسا في 29 آب 1991 . وعاد إلى بيروت في 7 آب 2005 ، وأسس في 18 أيلول 2005 حزب التيار الوطني الحر . لقد ارتبط لبنان منذ القدم بعلاقات متينة مع سورية ، استمدت قوتها من جذور القرابة التي تجمع الكثير من العائلات في البلدين الشقيقين المتجاورين ، إضافة إلى مجموعة من العوامل التاريخية والمصالح المشتركة ، وهو ما ترجم باستمرار على أرض الواقع من خلال توقيع العشرات من الاتفاقيات في شتى المجالات . فسورية أعلنت باستمرار أنها حريصة على أمن لبنان واستقراره ، وأنها لن تسمح لأي كان أن يهدد أمنه واستقلاله وسيادته . لقد اختلفت آراء السـياسيين والمحللين حول الوجود السوري في لبنان بين مؤيد ومعارض ، ولكن أياً كانت الآراء فمن المنطقي القول إن هذا الوجود كان ضرورة ملحة في تلك الفترة ، كان ضرورياً ليس بالنسبة للبنان فقط ليحافظ على وجوده وكيانه كدولة مستقلة ، بل كان أيضاً ضرورياً بالنسبة إلى سورية كي تحقق الأمن والسلام الذي يعود عليها بالأمن والطمأنينة ، لقد كان الوجود السوري في لبنان شرعياً ، وبموافقة عربية وعالمية في إطار قوات الردع العربية ، ولكن هذا بالتأكيد لا ينفي وجود بعض التجاوزات التي حصلت من قبل بعض الضباط السوريين الذين استغلوا تواجدهم هناك لتحقيق منافع شخصية ، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة إدانة سورية ونكران ما قدمته من تضحيات جسام لمصلحة لبنان ، فمثل هذه التجاوزات تحصل في مختلف الأحيان وباختلاف الظروف والمعطيات . لقد نجحت السياسة السورية خلال وجودها في لبنان من الإمساك بزمام الأمور وقد استخدم الرئيس حافظ الأسد ذكائه وحنكته السياسة باستثمار جميع الوسائل الممكنة لنسف السياسة الأمريكية الإسـرائيلية في لبنان ، حيث بسط سيطرته بشكل مطلق على الحركة الوطنية الفلسطينية ، وأثبت بذلك تفوقه واعتبر بنظر الكثيرين رجل المواقف الصعبة ، وأصبحت سورية بفضله محور اهتمام الأوساط السياسية العربية والعالمية ، بحيث لا يستطيع أحد تجاوزه في اتخاذ القرارات الصعبة . وعندما نزلت القوات الأمريكية والإسرائيلية إلى بيروت في عام 1982 أصدر أوامره بالتصدي والدفاع عن بيروت ، وأخذت القذائف السورية تنهال فوق المعتدين وتجبرهم على التقهقر . ومما قاله الرئيس الراحل حافظ الأسد يومها "سنقف في وجه المخطط الامبريالي الصهيوني الأمريكي الرامي إلى تفتيت لبنان والتوسع الإسرائيلي على حساب شعبنا العربي ونضع إمكانات سورية جميعها لخدمة قضايا العرب" . في 22 أيار 1991 وقع الرئيس السوري حافظ الأسد ونظيره اللبناني الياس الهراوي في العاصمة السورية دمشق اتفاقية الأخوة والصداقة بين سورية ولبنان . واتفق البلدان في المعاهدة على أن يعملا على تحقيق أعلى درجات التعاون والتنسيق بينهما في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والعلمية وسواها ، بما يحقق مصلحة البلدين الشقيقين في إطار سيادة واستقلال كل منهما ، وبما يمكن البلدين من استخدام طاقاتهما السياسية والاقتصادية والأمنية لتوفير الازدهار والاستقرار ولضمان أمنهما القومي والوطني وتوسيع وتعزيز مصالحهما المشتركة تأكيداً لعلاقات الأخوة وضماناً لمصيرهما المشترك . وتجلى التعاون خلال اجتماع الوفود العربية في مؤتمر مدريد للسلام في 1 تشرين الثاني 1991 وقد تمسكت سورية بتلازم المسارين السوري واللبناني لتحقيق أي تسوية في وقت واحد مع إسرائيل ، وخاصة بعد أن شاهدت نظرائها الفلسطينيين والأردنيين يوقعان اتفاقيات سلام ، حيث تم توقيع اتفاقية سلام بين فلسطين وإسرائيل في 13 أيلول 1993 ، وتلتها اتفاقية وادي عربة مع الأردنيين في 26 تشرين الأول 1994 . في 24 تشرين الثاني 1998 تم انتخاب قائد الجيش اللبناني العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية اللبنانية بأغلبية ساحقة من أصوات النواب في جلسة انتخاب تاريخية . وقد تسلم مقاليد الحكم من الرئيس السابق الياس الهراوي في القصر الجمهوري وفق الدستور . وأجرى استشارات نيابية لتعيين رئيس جديد للحكومة الأولى ، وكانت الغالبية تؤيد عودة الرئيس رفيق الحريري الذي اعتذر عن تشكيلها ، فكلف الدكتور سليم الحص المعارض الأول لحكومات الحريري السابقة بتشكيل الحكومة الجديدة ، عملت هذه الحكومة على محاولة تحسين الأوضاع الاقتصادية ، غير أن الأمور سارت على عكس ما أرادت الحكومة ، وقد مدد للرئيس اللبناني للمرة الثانية حتى 23 تشرين الثاني 2007 وغادر قصر بعبدا في اليوم الثاني ، وترك القصر بلا رئيس حتى دخول قائد الجيش العماد ميشال سليمان . ويمكن القول أن عهد الرئيس أميل لحود شهد نوعاً من الاستقرار السياسي وخاصة في فترة الرئاسة الأولى ، ولكن اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري أدى إلى مواجهته من قبل خصومه ، الذين بدأوا يعملون على سحب الشرعية منه ويدعونه إلى الاستقالة لأنه كان قريباً من سورية . بوفاة الرئيس السوري حافظ الأسد في 10 حزيران 2000 انتقلت السلطة بهدوء إلى نجله بشار الأسد الذي أراد أن يكون على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين ، ولكن استشهاد رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريـري في 14 شباط 2005 بعمل تفجيري إرهابي في العاصمة بيروت ، حال دون تحقيق ذلك ، فقد انقسم لبنان إلى معسكرين فريق الموالاة وعرف باسم فريق 14 آذار الذي سارع بتوجيه أصابع الاتهام إلى سورية بعملية الاغتيال ، وضم هذا الفريق رئيس كتلة المستقبل الشيخ سعد الحريري ، ورئيس الحكومة المكلف فؤاد السنيورة ، ورئيس الكتائب أميـن الجميل ، ورئيس كتلة اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط ، وقائد القوات اللبنانية د. سمير جعجع ، ومروان حمادة ، ونسيب لحود وبطرس حرب . في حين ضم تجمع المعارضة الموالي لسورية والذي عرف باسم 8 آذار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ، ورئيس كتلة التنمية والتحرير نبيه بري ، ورئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ، ورئيس كتلة لبنان الحر الموحد سليمان فرنجية ، ورئيس كتلة وحدة الجبل الوزير طلال أرسلان ، ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد . وواجه الرئيس السوري بشار الأسد انفعالات الموالاة واتهاماتهم بكل رصانة وحكمة وهدوء ، فالشهيد الراحل كان داعماً لدور سورية في لبنان ولم يكن يوماً من الأيام ضد سورية ، بل على العكس تماماً كان قريباً منها ، وأي مصلحة تجنيها سورية في اغتياله ؟ ولماذا لم توجه أصابع الاتهام إلى إسرائيل أو المتعاونين معها ؟ إن اغتيال الحريري لم يكن الأول وليس الأخير في لبنان فقائمة الاغتيالات كثيرة طالت الرؤساء والسياسيين والإعلاميين ومنهم : في 16 تموز 1953 اغتيال رئيس الحكومة اللبناني رياض الصلح في العاصمة الأردنية عمان . في 17 نيسان 1961 اغتيال النائب البير الحاج في شمال لبنان بمدينة عكار . في 16 أيار 1966 اغتيال مؤسس ومالك جريدة الحياة كامل مروة داخل مكتبه في بيروت بمسدس كاتم للصوت. في 22 كانون الأول 1971 اغتيال عبد الله عادل عسيران نجل رئيس مجلس النواب السابق . في 4 تموز 1974 اغتيال المحامي خالد صاغية في بيروت . في 26 شباط 1975 اغتيال نائب مدينة صيدا وزعيمها ورئيس بلديتها معروف سعد . وفي 20 كانون الأول 1975 تم اغتيال محافظ الشمال فايز العماد في طرابلس. في 27 أيار 1976 اغتيال السيدة ليندا جنبلاط شقيقة كمال جنبلاط في منزلها بشارع سامي الصلح ببيروت الشرقية . في 16 آذار 1977 اغتيال الزعيم الاشتراكي والدرزي اللبناني كمال جنبلاط بمنطقة الشوف . في 1 حزيران 1978 اغتيال رئيس وزراء لبنان رشيد كرامي بتفجير هليكوبتر عسكرية كان يستقلها قرب العاصمة بيروت . وفي 13 حزيران 1978 تم اغتيال النائب والوزير اللبناني وابن رئيس الجمهورية طوني فرنجية ببلدة اهدن في شمال لبنان . في 25 شباط 1980 اغتيال الصحافي البارز وصاحب الحوادث سليم اللوزي قرب مطار بيروت الدولي . وفي 23 تموز 1980 تم اغتيال نقيب الصحافة وصاحب الكفاح والأحد رياض طه في حي الروشة ببيروت . في 16 آذار1982 اغتيال النائب السابق بشير كيروز في الحازمية . وفي 26 نيسان 1982 تم اغتيال رئيس اتحاد الجمعيات والمؤسسات الإسلامية في لبنان الشيخ أحمد عساف في بيروت الغربية . في 1 كانون الأول 1983 اغتيال رئيس القضاء المذهبي الدرزي الشيخ حليم تقي الدين في منزله في بيروت . في 29 أيلول 1986 اغتيال قائد اللواء الخامس في الجيش العميد الركن خليل كنعان في منزله بالعاصمة بيروت . وفي 7 تشرين الأول 1986 تم اغتيال رئيس المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى الشيخ صبحي الصالح في حي ساقية الجنزير في بيروت الغربية . في 16 أيار 1989 اغتيال مفتي لبنان للطائفة السنية الشيخ حسن خالد في غرب بيروت . في 22 تشرين الأول 1990 اغتيال رئيس حزب الوطنيين الأحرار المسيحي اليميني داني شمعون في بيروت . في 31 آب 1995 اغتيال رئيس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية الشيخ نزار الحلبي أمام منزله في حي الطريق الجديدة في بيروت الغربية . في 24 كانون الثاني 2002 اغتيال إيلي حبيقة الوزير وقائد الميليشيا اللبنانية السابق في لبنان . في 2 حزيران 2005 اغتيال الكاتب السياسي والأكاديمي اليساري سمير قصير بتفجير سيارته في حي الأشرفية بالعاصمة اللبنانية . وفي 21 حزيران 2005 تم اغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي بتفجير سيارته في العاصمة اللبنانية بيروت . وفي 12 كانون الأول 2005 تم اغتيال النائب والصحفي جبران غسان تويني في العاصمة بيروت . إن من مصلحة البعض وفي مقدمتهم إسرائيل توجيه أصابع الاتهام نحو سورية من أجل إثارة القلاقل وبث التفرقة بين البلدين ، حين كان التنسيق بينهما في أعلى درجاته ومثالاً يحتذى في العلاقات الأخوية . لقد جاء اتهام سورية في محاولة للضغط عليها كي تغير مواقفها المتشددة حيال إسرائيل ورفضها الانصياع للأوامر الأمريكية، ولعدم رغبتها في الانسياق الأعمى وراء العملية السلمية حسب الشروط الإسرائيلية ، إن سورية حريصة على التمسك بثوابتها ومواقفها حيال الإرهاب الإسرائيلي وعملية السلام ، وهذا لم يعجب إسرائيل والدول الداعمة لها، فجاء مخطط اغتيال الشهيد الحريري ليهدم العلاقات البناءة بين البلدين ، وكي يشوه صورة سورية أمام الرأي العام العالمي لممارسة الضغط عليه لتغيير نهجه السياسي ، وعندما وجد مدبرو المكيدة أن أهدافهم لم تحقق غاياتها ، وأن سورية بالفعل بريئة من دم الحريري سارعوا باتهام حزب الله بأنه يقف وراء جريمة الاغتيال ، لأن حزب الله يشكل جبهة المعارضة لإسرائيل وخطراً عليها . في 5 آذار 2005 أعلن الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه أمام مجلس الشعب سحب جميع القوات السورية العاملة في لبنان إلى منطقة البقاع ثم إلى الحدود السورية اللبنانية . وقال بهذا الانسحاب تكون سورية قد نفذت التزاماتها حسب اتفاق الطائف . ونفذت مقتضيات القرار 1559 . وأشار إلى أن انسحاب سورية من لبنان لا يعني غياب الدور السوري ، فهذا الدور تحكمه عوامل كثيرة جغرافية وسياسية وغيرها بالعكس تماماً نكون أكثر حرية وأكثر انطلاقاً في التعامل مع لبنان . في 12 تموز 2006 استغلت إسرائيل حالة الفوضى التي يمر بها لبنان من خلال تباين المواقف ووجهات النظر بين الموالاة والمعارضة وخروج القوات السورية لتستعرض عضلاتها من جديد ضد حزب الله في الجنوب اللبناني في محاولة للقضاء على قواته التي تعتبرها الخطر الأساسي لها . فشن جيشها هجوماً جوياً على لبنان استهدف محطات الكهرباء ومطار بيروت وشبكة من الجسور والطرق ، مما أدى إلى مصرع وإصابة العشرات . ولكن تسلسل الأحداث جاء عكس ما كانت تشتهي إسرائيل واضطرت للانسحاب من المعركة بعد تعرضها إلى ضربات عنيفة أنهكت قواتها وشكلت لديهم حالة من الرعب ، وهزت صورتها مجدداً أمام الرأي العام العالمي . أعلن الرئيس السوري بشار الأسد أكثر من مرة أن أبواب سورية مفتوحةً أمام أي مسؤول لبناني يؤمن بلبنان عربي وبأن إسرائيل هي العدو ، ويؤمن بدعم المقاومة ، مشيراً إلى أنه ليس في لبنان أي ظرف يستدعي وجود أي قوات عسكرية سورية . وأكد الرئيس الأسد في جانب آخر مواقفه الصلبة إزاء المقاومة وطالب بالتفريق بين المقاومة والإرهاب ، فالمقاومة حق مشروع وقال "إننا في سورية نتخذ مواقف واضحة لدعم المقاومة في كل الظروف ، فأي احتلال تقابله مقاومة وبشكل بديهي لا بد من الوقوف معها" . وعبر الرئيس السوري بشار الأسد عن أهمية الدور الذي يضطلع به الرئيس اللبناني ميشال سليمان في الحياة السياسية اللبنانية بعد الطائف ، معتبراً أنه لا تجوز المقارنة بين استقبال سـورية للرئيس سليمان كرئيس للجمهورية ، وبين استقبال ميشال عون كصديق قادم من الخصومة . وكانت أول زيارة لرئيس لبنان في 13 آب 2008 وتم خلالها الاتفاق على تعزيز العلاقات بين البلدين . في 14 تشرين الأول 2008 أعلنت سورية ولبنان رسمياً ولأول مرة عن إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين . وقد التقى رئيس الحكومة الشيخ سعد الحريري في دمشق مع الرئيس بشار الأسد في 19 كانون الأول 2009 في أول زيارة له إلى سورية ، لينهي 5 سنوات من القطيعة السياسية ، كما قام النائب وليد جنبلاط بتقديم اعتذار رسمي إلى الرئيس السوري والقيادة والشعب السوري عبر وسائل الإعلام المختلفة عما بدر منه من تصريحات نارية أساءت إلى سورية ، فاستقبلته دمشق كسابق عهدها . وفي 2 كانون الأول 2009 أقرت الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة سعد الحريري بيانها الوزاري الذي يعترف بشرعية المقاومة وسلاح حزب الله للدفاع عن لبنان ضد أي هجوم إسرائيلي . وجاء في البيان الوزاري الذي تحفظ عليه خمسة وزراء مسيحيين ، أنه تقرر استمرار العمل بالصيغة الحالية للبند المتعلق بسلاح حزب الله ، وهي الصيغة التي كان معمولاً بها في الحكومة السـابقة من حيث تأكيد حق لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته في تحرير أرضه والدفاع عنها . وفي كتاب له بعنوان الأدلة المغيبة في ملف التحقيق باغتيال الحريري كشف الخبير الألماني في علم الجريمة يورجن كاين كولبل في شهر أيار 2006 أن أبرز النتائج التي توصل إليها تتعلق بتعطيل مفعول أجهزة الإنذار الموجودة في موكب سيارات الحريري والتشويش عليها وقيام الشركة المنتجة لهذه الأجهزة بتعطيلها ، وهي شركة يملكها إسرائيليون بينهم ضباط في جهاز الموساد . وفي السياق ذاته اتهمت عضو المنظمة العالمية لحقوق الإنسان مي الخنساء الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بتنفيذ جريمة الاغتيال بالتعاون مع جهاز الموساد الإسرائيلي ، وقالت في هذا الصدد : إن الأقمار الصناعية الأمريكية لديها شريط يبين عملية الاغتيال ، ولم يتم تسليمه إلى لجنة التحقيق الدولية ، مشيرة إلى أن الإدارة الأمريكية ضغطت على رئيس لجنة التحقيق السابق ديتليف ميليس من أجل إخفاء حقيقة مصدر جهاز التشويش الإلكتروني الذي عطل أجهزة حماية موكب الرئيس الحريري . من المسلم به أن أعداء سورية ولبنان وضعوا العلاقات الأخوية بين البلدين في دائرة الخطر بعد أن أخفقت في الماضي كل محاولات فك الارتباط التاريخي بينهما , لأن الترابط القوي بينهما شكل عامل مقاومة للمشروعات الأميركية , ومثل عنصراً أساسياً في منع هيمنة إسرائيل على المنطقة . والخلاصة إن اتهام سورية بالتورط في اغتيال رفيق الحريري هو أمر تنقصه المصداقية والدلائل والقرائن ، ليس فقط لأن المدان بريء حتى تثبت إدانته، وإنما لأن إسرائيل وليست سورية هي المستفيد من عملية الاغتيال ، وهذا ما جاء صراحة في اعتراف ضابط المخابرات الإسرائيلي أمان رؤفين أرليخ . وأخيراً وليس آخراً أقول بعد أن فشلت إسرائيل في خطتها الرامية إلى البقاء في لبنان وخرجت منه وهي تجر أذال الخيبة ، حاولت الولوج في العمق اللبناني بوسائل أخرى ، وذلك من خلال جواسيس يمكن شراء ضمائرهم بالمال ، ونجحت إسرائيل في إحداث اختراقات عدة في المجالات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية من قبل مواطنين همهم الوحيد الثراء السريع . ومنذ فترة قصيرة اعتقلت قوات الجيش اللبناني المواطن اللبناني شربل قزي الذي يعمل في شركة إلفا للاتصالات الخليوية في منطقة فرن الشباك والذي يترأس وحدة فرعية في قسم هندسة الشبكات ، وقد أصبح جاسوساً للإسرائيليين بحق مواطنيه يقدم للموساد المعلومات لتنفيذ مخططاتهم العديدة ، ومن ضمنها بالتأكيد عمليات الاغتيال التي شهدها لبنان في السنوات الماضية . لقد اعترف الجاسوس قزي أثناء التحقيقات بأنه يتعاون مع الموساد الإسرائيلي منذ عام 1996 ، وأنه كان يزودهم بجميع المعلومات والبيانات التي يطلبونها عن الشخصيات التي يريدون معرفة مكان تواجدها ليسهل اصطيادها. وبالتأكيد فإن الجاسوس شربل قزي ليس هو الجاسوس الأول لإسرائيل ولن يكون الأخير ، فقد ألقت القوات الأمنية خلال الفترة الماضية القبض على العديد من المواطنين المتعاونين مع إسرائيل ومن ضمنهم بعض الضباط المتقاعدين في الجيش اللبناني ، والتحقيقات الجارية معهم من قبل الأجهزة القضائية والسلطات المختصة ستكشف في القريب العاجل أنهم ساعدوا إسرائيل من خلال معلوماتهم بعمليات الاغتيال التي طالت العديد من الشخصيات اللبنانية . في النهاية لا بد من القول إن لبنان في قلب كل مواطن عربي ، فهو بلد عربي الهوية والانتماء كما هي سورية والأردن وفلسطين ومصر والعراق ودول الخليج العربية والدول العربية الأفريقية والعربية الآسيوية ، وإن الخلافات العربية العربية إن وجدت ومهما تعددت أسبابها ، فإنها تبقى مجرد خلافات مرحلية تأتي وتزول بمعالجة الأسباب التي أدت إلى انبعاثها ، وإن ما يربط الشعوب العربية بعضها ببعض أكبر بكثير من المشاكل التي تعترض هذا البلد أو ذاك ، وإن فتح صفحة جديدة في العلاقات العربية يؤكد أن الأمة العربية تسير في طريقها الصحيح . صحيح أن الوحدة العربية التي نادينا بها طويلاً أصبحت حلماً لن يتحقق على أرض الواقع ، إلا أن إرادة الشعوب ومحبتها لبعضها البعض يمكن أن تساهم في إقامة الوحدة الاقتصادية العربية ، على نمط الوحدة الأوروبية ، فالدول الأوروبية تختلف عن بعضها البعض في أمور كثيرة وبالرغم من ذلك تمكنت إلى عقد الكثير من الاتفاقيات التي سهلت تنقل الأفراد والبضائع بين هذه الدول بكل سهولة ، واعتمدت عملة موحدة جديدة أسمتها اليورو ، كي لا تختلف الدول بين بعضها البعض حول أي عملة يختارون ، فالدول الغربية وجدت طريقة للتعايش والتواصل مع بعضها البعض رغم الاختلاف الكبير في عاداتها وتقاليدها ولغاتها ، فلماذا لا نحاول كشعوب وكحكومات عربية تجمعنا عوامل كثيرة لا تتوفر في غيرنا من الأمم من التوصل إلى اتفاقيات وحدة اقتصادية أو دفاعية أو سواها من الاتفاقيات التي تعزز من مكانة العرب بين الأمم ، هذه المكانة التي بدأت صورتها تهتز أمام الرأي العام العالمي بسبب الخلافات السياسية التي بدأت تطفو إلى الواجهة وتؤثر سلباً ليس فقط بين الحكومات بل بين الشعوب التي تتأثر في كثير من الأحيان بتوجه سياسات حكوماتها وخاصة في ظل الإعلام الحكومي الذي يساعد في تأجيج هذا الوضع . أستطيع القول إننا كشعوب عربية أقوى بكثير مما نعتقد ، لدينا الإمكانات البشرية والثروات الطبيعية وأهمها سلاح النفط ، ولا أريد أن أتحدث عن المليارات المكدسة في البنوك الأجنبية التي لو أحسن استثمار جزء منها لحققنا الكثير من أحلام العرب ، وأريد أن أقول إن خطوة الميل تبدأ بخطوة ، وعلينا جميعاً أن نساهم ببدء هذه الخطوة التي ستعود على الجميع بالخير والفائدة . jamilbaghdadi@yahoo.com |