| فإن صاحب الإنجاز الحقّ يشبه الشجرة المثمرة: تُرمى بالحجارة لكنها لا تكفّ عن الثمر؛ |
|
ثمرُ النجاح وابتلاءُ الناس: قراءة أخلاقية مختصرة بقلم الدكتور راتب جنيد سيدني - الميدل ايست تايمز الدولية: من السنن الاجتماعية التي تتكرر عبر التاريخ أن الشجرة المثمرة هي التي تُرمى بالحجارة؛ لأنها وحدها التي تحمل الخير، وتجذب الأنظار إلى ما فيها من نفعٍ وثمر. وهذه الصورة البلاغية تنسحب بوضوح على حال الإنسان الناجح؛ فكلما تميّز في عمله، وظهر أثر عطائه، ازدادت حوله سهام الغيبة والنميمة والحسد. وليس ذلك بسبب عيبٍ فيه، بل لأنّ كثيرًا من الناس يعجزون عن بلوغ مستواه، فيتحوّل ضعفُهم الداخلي إلى طعنٍ خارجي. فالنجاح لا يكشف قدرات الإنسان فحسب، بل يكشف مواقف الآخرين تجاهه؛ فمنهم من يفرح بالعطاء ويقدّر الجهد، ومنهم من يضيق صدره بما يرى، فيلجأ إلى الانتقاص والتشويه. ومن هنا يصبح النجاح ابتلاءً مزدوجًا: ابتلاءً لصاحبه بالصبر والثبات، وابتلاءً لمن حوله بالإخلاص والإنصاف. ومن المنظور الإيماني، فإن الرفعة والقبول بين الناس أمرٌ مردّه إلى الله تعالى؛ فهو سبحانه الذي يهب المجد، ويمنح التمكين، ويصرف القلوب؛ فلا تُنال المرتبة بمدح الناس ولا تُمحى بذمّهم. وقد رسّخت الآية الكريمة هذا المعنى العظيم: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ المُلكِ تُؤتِي المُلكَ مَن تَشاءُ وَتَنزِعُ المُلكَ مِمَّن تَشاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشاءُ بِيَدِكَ الخَيرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ﴾ [آل عمران: 26] إنّ استحضار هذا المعنى يخفّف عن الناجح وطأة الأذى، ويذكّره بأنّ قيمته لا تُحدِّدها ألسنة الناس، بل يُحدّدها إخلاصه وعطاؤه وصديقته في السعي. وكلما اشتد النقد بلا مبرّر، كان ذلك دليلًا على وضوح أثره وقوّة حضوره. وعليه، فإن صاحب الإنجاز الحقّ يشبه الشجرة المثمرة: تُرمى بالحجارة لكنها لا تكفّ عن الثمر؛ ثابتة الجذور، عالية الهمة، مستمرة في العطاء. وغاية النجاح ليست رضا البشر، بل رضا الله تعالى، وهو وحده الذي يرفع الإنسان بفضله، ويكتب له القبول في الأرض. |