اليأس عدو الإنسان - للشاعر وليد الكيلاني





اليأس عدو الإنسان

وليد الكيلاني

ما أسوأ هذه  الأوضاعْ

فالوطن العربي يعيش بهمّ وضياع

يدخل بنزاع من بعد نزاع

الموت يلاحق أطفالا ضعفاء

لا زادَ لديهم أو حتى شُربةَ ماء

وعيونهمُ تبكي الحسرة بدموع ودماء

أطفال العرب مشردةٌ وجياع

في أرجاء العالم والأوطان

تفترش الأرض وتلتحف سماء

وتراقب زحف الموت اليها في كل صباح ومساء

وتشاهد ما بقي من الأشلاء مبعثرةً في الأحياء

وتراباً مجبولاً بسيول دماء سُفكت في كل الأنحاء

وسوآتِ هوابيلٍ وقوابيلٍ تُركت فوق الأرض بلا أكفان

وسماءً تمتلئ برائحة الموت تحلق فيها أسراب الغِربان

وألسنةً من لهب  تلتهم الأخضرَ واليابسَ تتمرد في أبراج دُخْان

أطفال العرب إذا نامت لا تحلُمُ إلا بالموت يلاحقها والأشباح

تحلُمُ بأزيز الطيران يحلق في الجو وأصواتِ قنابلَ تتفجر وجنودٍ تجتاح

وترى الأسقف تهوي فوق رؤوس السكان وتشهد قتل الناس وإزهاق الأرواح

وإذا تعب الموت من الموت وهدأ من التعب للحظات تسمع ندبا وبكاءً ونُواح

 أعينها صارت غائرة نضب الدمع بها وإمتلأ القلب جراح

صارت تتمنى  الموت عسى لو جاء لها أن تلقاه وترتاح

فلعل الموتَ  يحن ويجمعها بأحبتها والأهلِ  وأبناءِ الجيران

ويرحمها من قسوة أهل الأرض وإحساس الذل بفقد الأوطان

صور  يرتجف لها القلب ويهتز لها  إن وجد ضميرُ إلإنسان

صور لا تصلح  للتعليق سوى  فوق  الجدران  بأقبية الشيطان

أصبحنا أشتاتا أحياءً أمواتا من  دون أمان أو عنوان أو أوطان

وانتشر الرعب الأسود يحصد بالسيف رؤوس الناس من الأبدان

هذي ليست أخلاق الإنسانية أو أخلاق الإسلام وضد تعاليم القرآن

والأحزمةُ الناسفةُ سَتودي لجهنمَ لا الجنةِ ما في ذلك شك أو قَوْلان

قتلُ النفس بغير الحقِّ  كقتل الناس جميعاً حرمه الله  بكل الأديان

والله هو العالم بقلوب الناس وتكفير الإنسان  َتحدٍ لحدود الرحمن

وهو القائل "من شاء فليومنْ أو شاء فليكفرْ" وهو يحاسبنا فهو الديان

مر الإسلام على آثار الأمم فأبقاها بأمان شاهدة للتاريخ على مر الأزمان

عمرو بن العاص أتى مصرَ ليفتحها فأقام بها العدل وعامل من فيها بالإحسان

ما اعتبر الأهرام دلالة شرك بالله كما الحال عليه مع الأصنام أو الأوثان

وأنفُ أبي الهولْ هشَّمه نابليونُ لينتقم لأن الشعبَ المصريَّ تصدى للعُدوان

ما كان الإسلام سوى دينٍ وسطيٍ يحترم جميع الناس ويحترم جميع الأديان

وفي الآ ثار حضاراتٌ وعلومٌ ودلالاتٌ وعظاتٌ لولاها لم يُعرف تاريخُ الإنسان

وهدم الآثار وسرقتُها قرصنةٌ تستهدف تاريخ الأمم وعملٌ معتوهٌ همجيٌ وجبان

عمر بن الخطاب أتى للقدس على جمل وأقام بها العدل ولم يظلم  فيها إنسان

كان بها لوحاتٌ وتماثيلٌ ورسومٌ فيها زخرفةٌ ووجوهٌ في الأسقف وعلى الجدران

لم يمسسها أو يهدمْها عُمرُ وأبرم مع سكان القدس العُهدةَ يعطيهم فيها أمناً وضمان

و نهى  عن قطع الأشجار وحرق الزرع وهدم البنيان وأوصى بالإنسان وبالحيوان

وضمن بها الأمن لهم في أنفسهم وكنائسهم وزراعتهم والأموالِ وما كان لديهم من صلبان

وعلى أن لا يُكرَهَ أحدٌ في الدين وسلمها أصحاب رسول الله لصفرونيوس بطريرك الرومان

 وشهد عليها خالدُ وعمرو بنُ العاصِ وعبد الرحمنِ بنُ عوف ومعاويةُ بنُ أبي سفيان

أو أنتم أفهمُ من خلافاء الإسلام وأصحاب رسول الله وأعلمُ منهم  بتعاليم الدين وأقوى إيمان

لستم أتباعَ السلف الصالح بعضٌ منكم ضل بجهل وتورط  والآخرُ أغراه المالُ وأغواه الشيطان

 البعض من البلهاء يرى القتلةَ أبطالاً عظماء ويَحسِبهم في الجنةِ  شهداء

والآخر من أهل الرؤيا يعلم أن القتلةَ ليسوا إلاعملاءً  مأجورين  وجبناء

 ويرى في ذلك تخطيطاً مرسوماً  ومُعدًا من أعداء الإسلام بمكر ودهاء

قتل الحرية ساهم في دعم الإرهاب وخَلْقِ  التظيم الوحشي وحوله لوباء

وسهل  إغراء  وتجنيد الأتباع  من الأغرار البسطاء أو الأغبية الجهلاء

ووعاء الضغط المكتوم من القسوة والقهر وظلم الناس تفجر شراً وبلاء

الأرض صارت كالجحيم وفاسده

وقلوبنا صارت صقيعا لا تبالي بارده

وتفرقت مما رأت من يأسها متباعده

وعقولنا كالصخر أضحت جامده

أعداد تجار السلاح بأرضنا متزايده

فالكل يسعى أن يزيد من الحروب عوائده

أرواحنا عند الجميع رخيصة معروضة بمزايده

وبمالنا تمويل آلات الدمار الحاصده

لكننا بالجهل  نهدر دخلنا وموارده

كل المصائب عندنا والغير يجني الفائده

فسلاحنا لنزاعنا وحروبنا المتصاعده

وخلافنا  فتنن أتتنا من  بعيد واردة

فالطائفية  بالتطرف والسياسة سائدة

والجاهلية بالتخلف لا  الخلافة عائدة

والدور جاء لداعشٍ لتشُدَّ أزر القاعدة

جاءوا الينا كالجراد ومن جحور واحدة

ليشوهوا الإسلام في أفعالهم ويفجروا بالساجدين مساجده

ويكفروا من يعبدون الله  جهلا منهمُ ويهدموا  بالعابدين معابده

ويُرْجِعونا بالغباء  إلى العصورالبائده

نحن الوقود وإن فقدنا الذاكره

الكل يجعلنا ضحايا للقوى المتناحره

وجيوشنا للقمع قد وجدت وفض مظاهره

وسلاحهم عُددٌ لتزيين العروض الفاخره

لا تستطيع حماية الأوطان من شر الأعادي الجائره

والكلُّ  ينهش لحمنا  ويدق  فيه أظافره

دول نحاذر بطشها ولها جيوشُ سماسره

وإذا تفرقت الشعوب تكون دوما خاسره

وإذا توحدت الشعوب تصير حتماً قادره

ليل العُروبة قاتم لكننا يوما سنشهد آخره

حث الإسلام على طلب العلم من المهد إلى اللحد وإكرام العلماء

كان لنا في الشرق مشاهير في كل مجال ولهم في العلم وفي الفلسفة عطاء

من يدرس تاريخ العرب وتاريخ الإسلام يرى عددا مشهورا من خير الأسماء

في الطب وفي الفلك وفي الجبر وفي الصيدلة وفي الهدندسة وعلم الكيمياء

وكذلك كان لنا يوما  في الأندلس علومٌ وقصورٌ ومدارسُ وحضاره

كانت للفن وللأدب وللفلسفة وللعُمران وللتنظيم وعلم القانون مناره

وكانت كلُّ الأديان سواسيةً وبلا تفرقةٍ والحاكم يحترم الشعب وأفكاره

والمرأة كان لها في كل مجال دورٌ مرموقٌ وحضورٌ وبهاءٌ وصداره

لكنا أصبحنا منقسمين على أنفسِنا وتفرقنا وغدونا ألف إمارة

وخلقنا من أجل الحكم خلافاتٍ تركت في الأنفس حقداً ومراره

وإستنجدنا  بالأعداء على إخوتنا وتقابلنا وتقاتلنا  بسيوف بتاره

ضيعنا من حُبِّ الذات و ضيق الأُفُق وعدم الإخلاص ممالكنا بجداره

والآن تدور بنا الأيامُ كايام الأندلس فنسقط في مستنقعِ نَتَنٍ وقذارة

ونُضيْعُ مواردنا ونحارب إخوتنا ونقتل أنفسنا والكل  يهدِّم دارة

تتوحد بلدان العالم لكن نحن نفكك موطننا ونقسم كالكعكة أقطاره

وبلدان العرب لأتفه سبب تتنازع والكل يدق بنعش الأمة مسماره

والثور الأسودُ يُؤكلُ بعد الثور الأبيض ويموت ويخسر أبقاره

أصبحنا في أسوأ حال حتى صار الجار بلا سبب يكره ويعادي جاره

وانتشر الإعلام المسموم لبث التفرقة وتمزيق الوطن بخبث ومهارة

أيظل العربيُ يُحمِّل كل العالم مسؤليةَ ما حل به ويلوم من الخيبة أقداره

لو كان التاريخ يعلمنا ما صرنا في هذي الحال المحزنة المخزية المنهاره

إنا نحتاج لتغييرالأوضاع وإنقاذ الأوطان ونصر الإنسانية والإنسان

فالإنسان هو الثروة وأهم من المال والأوطان أهم من السلطة والسلطان

لا يوجد للظالم في الظلم أمان والظلم يؤدي لخراب العُمران

قتل العدل كقتل الإنسان لا يمكن أن يرجع بعد القتل كما كان

لن ينصرَكم  إلا أنفسُكم لا أحد في هذا العالم يحترم الضعفاء

وستبقَون إذا لم تتحدوا مثل العِهنِ المنفوشِ  من الوهَن هباء

وتصيرون كماءٍ أسِنَ من العفن فحال َ إلى زَبدٍ وغُثاء

 لكنا رغم الأوضاع الصعبة ما زال لدينا أملٌ ورجاء

وعلينا أن نعمل من أجل الأوطان بصدق وبإخلاص ووفاء

نحتاج إلى العقلاء إلى الحكماء وإلى العلماء الشرفاء

وكذلك نحتاج إلى المدراء وإلى الكتاب الى الأدباء إلى الشعراء

ولكل الفنانين وكل الحرفيين وأهل الابداع  بلا إستثناء

وأجهزة الإعلام المخلصة لتوعية الناس وتسليط الأضواء

ونحتاج الى تحديد الأدوار وتفعيل الناس و توزيع الأعباء

نحتاج الى كل الأفرا د بكل الأطياف وكل الأعمار رجالا ونساء

والى تربية الأطفال بأسلوب  علميٍ عمليٍ عصريٍ بناء

ونحتاج إلى عمل الخير ونبذ الشر ونحتاج إلى ايمان ودعاء

ونحتاج إلى  نبذ التفرقة ونبذ التهميش  فذلك  داء للأمة وبلاء

ونحتاج إلى الحرية فهي لحالتنا خير علاج من هذا الحال المزري ودواء

 ونحتاج الى تقدير العقل وإلى الشورى في الأمر  وأن نحترم جميع الآراء

نحتاج لأصحاب قلوب مخلصة ونوايا صادقة وربابنة لا تخشى موجاً أوأنواء

وصدورٍ واسعةٍ وعقولٍ صافيةٍ تستوعب كل الفُرقاء وتدرك أبعاد الأشياء

وتؤمن بحقوق الإنسان وتحترم  جميع الأديان وتخلص في حب الأوطان

نحن ضحايا أنفسِنا وعلينا أن نقف  مع الحق ونتوحد حتى لا نبقى ضعفاء

الحمل ثقيل  ولقد فرطنا  في الماضي وتخلينا عن  واجبنا وارتُكبت أخطاء

وعلينا أن نخرج من هذا الوحل ونعمل من أجل الوطن ونتحمل كل الأعباء

سهل أن تُشعل حرب بين أشقاء  لكن صعب أن تُخمد فالحرب  دمار وبلاء

نحن بني آدم  والله  الخالق  أورثنا  الأرض  وما فيها وله  الحكم  بما  شاء

وهو العادل بين الخلق فلا أبيض أو أسود أو عربيا أو عجميا فالناس لديه  سواء

ما نملكه في هذي الأرض سيبقى فيها فلنا فيها لما نتركها يوماً خلفاء

والعمل الصالح يبقى كالشجر المثمر في الأرض ويرقى منها  لسماء

نحتاج ألى جراحين لغسل قلوب الناس وزرع الحب بها فالحب طريق الرحمن

نحتاج إلى عدل وسلام لنعيش بأمن وأمان ونعيد بناء الأوطان فاليأس عدو الإنسان