طقطوقة... في النغم الطاهر





طقطوقة... في النغم الطاهر

                   أ.د. إبراهيم أبو محمد

ليس لمنظومة الكون حدود معروفة للعقل البشر حتى الآن، ولم يتوصل العلم بعد  لحقائق حولها حجما وكتلة ونسبة وتفاعلات ، وهي في حالة تمدد مستمر،  ومحتواها من الكواكب والمجرات ومما لم يكتشف بعد فوق احتمال العقل.

        وهي محكومة بقوانين بعضها مرئي ومشاهد، وبعضها لا تدركه العقول والأفهام، ، فكل نشاط العقل حولها يدور فى مجموعة الكواكب والمجرات القريبة في السماء الأولى، أما السموات الأخرى فليس للعقل فيها أى نشاط على الأقل حتى الآن مهما كان خياله وتطلعاته يقول ربناسبحانه

        { فَلَا أُقْسِمُ  بما تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ، إِنَّهُۥ لَقَوْلُ رَسُولٍۢ كَرِيمٍۢ} ﴿38-40 الحاقة ﴾

        لكن رب العالمين يعرف ما خلق ، وقد أخبرنا فى وحيه المعصوم وعن طريق رسوله المعصوم بما تحتمله عقول البشر ويفيدها في مسيرة حياتها ومصيرها.

        وقول الله ليس وعظا يتلى على الكسالى والقاصرين ، وإنما هو يقين علمى  لن تأتى حقائق العلم التطبيقى إلا دليلا عليه وتصديقا لقوله ، قال تعالى:

        {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}  ﴿فصلت:53 ﴾

        وعظمة هذا الخلق تدل على عظمة خالقه وتفرده قوة وعلما ، وإرادة وحكمة وتدبيرا.

        وهذا الخلق الكبير له لغة ومنطق وبيان يعرفه من خلقه وسواه ، وبلغته التى لا ندركها يصنع سمفونية مقدسة يعزفها ويشدو بها الوجود كله بأرضه وسمائه، وترددها مفردات الطبيعة وعناصر الكون خضوعا لإرادة خالقها في الالتزام بالسنن الطبييعة والانسجام مع متطلباتها.

        النغم الطاهر هنا يجرى في شرايين هذا الوجود اعترافا بوحدانية خالقه  وثناء عليه  وهتافا بمجده  تسبيحا وتمجيدا ، قال تعالى:  { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} ﴿الإسراء:44)

        المنفى عنا هنا ليس العلم  بذلك النغم الطاهر، والذى هو التسبيح ،  وإنما المنفى عنا هو الإدراك لكفية هذا النغم ، وبأي لغة ولسان.؟

        إلتزام الإنسان بقوانين وأوامر شريعته يجعله منسجما مع سيمفونية الوجود، ويحول سلوكه وحركاته وسكناته إلى مفردة من نغم الوجود الطاهر،  كما يجعل وجوده إضافة أخلاقية وحضارية يتراكم بها الخير، وترتقى بها الحياة،  ويسعد بها الوجود والكون كله ، لكن البشر ليسوا كلهم على موجة واحدة مع الكون أو مع المكون ، فبعضهم في مقابل هذا الانسجام العظيم في الكون كله يصر أن يمشى عكس التيار فيعزف  بتمرده ومعصيته  نغما شاذا وفاجرا يناقض النغم الطاهر في هذا الوجود برا وبحرا أرضا وسماء .

        ومن هؤلاء  الحمقى فريق لا يكتفى بخيبته وتمرده ومعصيته فقط ، وإنما يصر أن يُصَدِّر الخيبة والتمرد للآخرين !!!

        الكارهون لدين الله يستغلون هؤلاء الحمقى ليجعلوا منهم سهاما توجه لتعاليم الإسلام وللملتزمين بشرعه وشريعته ، فتشم بين الحين روائح الكراهية ، وتسمع بين الحين والحين طنينا كطنين أجنحة الذباب لا يؤثر في بدايته،  لكنه يزعج أذن من يستمع إليه ، غير أن وجوده دليل على وجود وسيط حامل لجراثيم الوضاعة والمعصية وفقدان المناعة، فإذا تُِركَ أصاب الجميع برذاذ جراثيمه وانتشرت عدواه .

        من هذا القبيل الدعوة إلى خلع الحجاب،  ولا ندرى ماالذى يزعج هؤلاء في اختيار المرأة لقطعة من القماش تستتر بها ؟ ولماذا ينصبون من أنفسهم أوصياء على المرأة في اختياراتها .

        صنف النساء. الطاهرات واللائي يمثلن ٩٩٪ في المائة من نساء مصر رؤيتهم لا تسر الناظرين من أصحاب الهوي الجامح والشهوات القبيحة، ولذلك يتحدثون بتندر عن العفيفات، ويرون أنه لا يليق بالمرأة المصرية  أن تكون من هذا النوع،  وأنها لابد أن تكون ممن تمت هزيمتهن وجدانا  وفكرا وثقافة ،

        وبما أنهم لا يعرفون ما يفعله ماء الوضوء والتطهر والصلاة ، ففي نظرهم  لابد للمرأة المصرية  أن لا تكون من ربات العفاف والطهر، وإنما  من ربات المينكير والباديكير وتخطيط وتلوين العيون ، وطلاء بشرة الوجه بالميك آب والمساحيق الصناعية، وأن تكون رهينة لما يصدر عن كريستانديور،  وأسيرة لجيفينشي ، وروبرتو كافالي، و فيرساتشي، ماكس مارا، وشانيل  وفندي موسكينو .

        عجيب أمر هؤلاء في أخلاقهم وثقافتهم ، كيف يعيشون معنا ؟ وكيف يحسبون علينا ؟ وكيف يعدون من بنى جلدتنا ومشاعرهم هناك، وأفكارهم من هناك  وقبلتهم هناك يصلون ويتجهون إليها في باريس ولندن وروما وشيكاغو ؟

        قرأت عن الحملة  لمهرجان دعوة المصريات لخلع الحجاب،  ووجدت نفسي لست أمام آدمى يفكر ويعى ما يقول ، وإنما أمام حالة من حالات الإعاقة العقلية المعقدة التى لا يمكن أن يجدى معها إعادة التأهيل ، ومن ثم فلا مجال لحوار ولا مجال لحجة ، لأن الأرضية التى يجب أن تتوافر لأي حوار ليست موجودة أصلا نتيجة تلك الإعاقة،  والتوصيف العلمي للحالة هنا أنها حالة مرضية مزمنة ، وأصحابها لا يحتاجون  لحوار بقدر ما يحتاجون إلى الدخول في مصحات أخلاقية تعلمهم أن للناس شرفا وعقولا.

        ولأننا نثق في ذكاء المرأة الفطري ، ونؤمن يقينا بشفافية روحها وشوقها صوب الكمال والجمال نسائلها ونحن نعرف الإجابة :  من تختارين ؟

        أيتها المرأة أما وأختا وزوجة وإبنة

        لقد حدثوك عنك وحدثك الإسلام فلمن تسمعين ؟

        وأرادوا أن يأخذوك منك ، وأرادك الإسلام ، فمن تختارين ؟

 

        لقدحدثوك عن حرية المرأة في السفور والخروج ومخالطة الرجال

        وأرادوا بذلك أن تصبحين بين أيديهم وتحت أعينهم

        كلما شاءوا وشاء له الشيطان والهوى .

        وأرادك الإسلام حصنا منيعا ،  وحرما طهورا مقدسا

        لا يقترب منه أحد إلا بحقه  فمن تختارين ؟

        أرادوك محامية في غير قضية ، وقاضية في غير عدالة ، وبسطجية وكمسارية

وشرطية مرور .

        وأرادك الإسلام منبعا للقيم ، ومحضنا للأجيال  ومصنعا للرجال ، وأما للأبطال،

ومصدرا للسيادة والسعادة . فأين تذهبين ومن تختارين ؟

        أرادوك فنانة تعرض مفاتنها بإغراء رخيص ، وراقصة باليه ، وبطلة مسلسلات

        وعازفة جيتار ، ونجمة في حفلات مجونهم الإباحية ولياليهم الحمراء

        وأرادك الإسلام بطلة في مواجهة أحداث الحياة ، تلملم بحكمتها عقد الأسرة،  وتربى الأبناء وتدفع بالرجال إلي قمة القيادة والريادة والمجد، وتعزف بالنغم الطاهر في ليلها ونهارها معزوفة الأمومة الصادقة،  فتحرك الأحاسيس والمشاعر بالحب لها والرضا منها وعنها .  فأين تذهبين ومن تختارين

        أرادوك تخرجين وتعملين وتكدين وتكدحين لا في جد الحياة وخيرها  ، وإنما في كل إعلان عن كل سعلة بدءا من زجازجات العطر، وأدوات الماكياج وملابس الأطفال ،   والكوتكس وانتهاء بمسحوق الغسيل .تروجين لبيعها بخضوع في القول ، وميوعة في الحركة ، وبألف إشارة  شريفة “شوباشية” وإشارة  ويا عم حشيش، أحلى من الشرف مفي ش … مفي…..ش

        وأرادك الإسلام عنصرا فاعلا ومؤثرا في كل جد،  وكائنا محترما يرمز إليه بعفة الدنيا وشرف الحياة،  ويفتدى بالنفس والمال ، ويهون في سبيل حمايته والدفاع عنه كل مرتخص وغال  ، فأين تذهبين ومن تختارين

        أرادوك كتلة من الغرائز والمثيرات ، خليلة المخدع ،وسيلة المتعة ، رخيصة الثمن

        وأرادك الإسلام مرفأ حلوا حنونا ، وحسنة خير من حسنات الحياة يرجوها الرجل من ربه ويدعو بها في كل صلاة . فأين تذهبين ومن تختارين …؟

        أرادوك سافرة كقطعة الحلوى بغير غطاء ، تجرحها عيون الرجال ، ويلوثها التراب ويحوم حولها وعليها الذباب.

        وأرادك الإسلام مستورة بالحجاب ، في مأمن من عيون الذئاب ، فأين تذهبين ومن     تختارين…؟

        أرادوك مهتمة بتزيين الحواجب والرموش وتجميل الأظافر، و عاشقة للمظاهر ، خاضعة لبيوت أزيائهم ، متحركة بإشارة منهم ،يغيرون بها الموضة في كل موسم ، يقصرون فتقصرين ، ويرفعون فترفعين ، ويفتحون فتفتحين ، ويكشفون فتكشفين .

        وأرادك الإسلام : جميلة الظاهر ، نظيفة الباطن ، غير عابئة بتوافه المظاهر ، غير خاضعة في اختيارها لأحد ، مستقلة العقل،  حرة الفكر ، رشيدة التصرف ، سامية الإرادة .  فأين تذهبين ومن تختارين؟

        أرادوك (ليلى) صاحبة المجنون قيس !  وبثينة صاحبة جميل ! وعزة صاحبة كثير! ، وجولييت صاحبة روميو ،! وسيمون ديبفوار صاحبة سارتر،!  ومونيكا لويسكى صاحبة كلينتون !  وهن رموز .

        وأرادك الإسلام : خديجة زوج النبى العظيم محمد،  وفاطمة الزهراء زوج الكريم علي، وأم الحسن وأم الحسين ، وأسماء ذات النطاقين،  وهن أيضا رموز

فأين تذهبين ؟   ومن تختارين..؟

        أرادوك تحت الطلب ، مكشوفة الساقين والذراعين،  تملئين الأسواق  ، وتزحمين الشوارع وعيون الرجال. وفي الحانات والبارات حاضرة وموجودة ، جَرْسُونة الحانة، تخدمين   الزبائن ، وتملئين الكؤوس .وترقبين من بعيد عيون الديوث

        وأرادك الإسلام ملكة في المبرات لا في البارات ، وفي الخالدات لا في التافهات الساقطات ، مصونة الجانب،  مرفوعة القدر

        ربة الوقار والجمال والعفة  ، فأين تذهبين ومن تختارين ….؟

        أرادوك  وسيلة المتعة ، رخيصة الثمن ، فحدثوك عن خصائص الأنثى

          وما يبرز الأنوثة ويثير الغريزة ، ويرفع الحياء، ويكشف العورات .

        وأرادك الإسلام فحدثك عن خصائص الإنسان ووسائل كمالاتة ،

        وآفاق تكريمه ، ومجالات تفوقه وإبداعه  ودعاك لتكونين زوجة لرجل رشيد،

        وشريكة في إقامة بيت سعيد ،فحدثك عن خصائص الإنسان ذى العقل الرشيد،

        والقول السديد ، والفعل المجيد

        هكذا أرادوا لك .. وخططوا.. ودبروا ..وروجوا ..وأشاعوا..

        وبعثوا بوقا مخمورا ومزورا مأزورا يدعوك لخلع الحجاب

        ورفع الحياء وكشف العورات .

        وهكذا أراد لك الإسلام فخاطبك خطاب العقل والفطرة والدين

        وشتان :

        بين إرادة ….وإرادة . بين نور ….وظلام .

وحق….. وباطل….   وموت ….وحياة.

        فاختارى أيتها المرأة لنفسك،  وحددى موقفك ..ومكانك ..ومكانتك .

}وَمَا يَسْتَوِى ٱلْأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ {

}وَلَا ٱلظُّلُمَـٰتُ وَلَا ٱلنُّورُ{

}وَلَا ٱلظِّلُّ وَلَا ٱلْحَرُورُ{

} وَمَا يَسْتَوِى ٱلْأَحْيَآءُ وَلَا ٱلْأَمْوَ‌تُ

إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ

وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍۢ مَّن فِى ٱلْقُبُورِ{

 

}وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ

وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَ‌تِ أَن تَمِيلُوا۟ مَيْلًا عَظِيمًۭا{

المفتى العام للقارة الأسترالية