تنهيدة … في زمن الغدر السياسي ؟





تنهيدة … في زمن الغدر السياسي ؟

                                       أ. د ..إبراهيم أبو محمد  

تغريدة  أم تنهيدة؟

تعود أن الناس أن يعبروا عما يكتبونه وما يجيش في صدورهم من كلمات عبر وسائل التواصل الاجتماعى “التويتر والفيسبوك”  بمصطلح “تغريدة

وما يعبر عنه الناس ليس بالضرورة أن يكون فرحا أو سرورا ، فقد يكون مجرد فكرة لا علاقة لها  بالفرح أو الحزن ، لكن إطلاق العبارة على أنها تغريدة  من باب تغليب الأمل على اليأس ، والفرحة على الدمعة،  والسرور والبهجة على الحزن والكآبة وضيق النفس بتصرفات البشر وتفاهتهم وسخافاتهم أحيانا .

        وبقدر ما ينعكس الواقع بحلوه ومره على صفحة النفس البشرية،  بقدر ما تحدث في أغلب الأحيان عملية ارتداد لهذا الواقع تجاه ما تراه النفس أو تشعر به ، فتضفى ما بداخلها عليه وتراه بعين ذاتها هى لا بعين حقيقته .

        وهنا نتذكر بيت الشعر العربى الذى يصور لنا هذه النظرية في استقبال النفس للأشياء والأحداث ثم ردة فعلها وإعادة تلك الأحداث والتعبير عنها بعد صبغها بلون وإحساس تلك النفس بهذه الأشياء يقول الشاعر:  

لقد عرض الحمام لنا بسجعِ ... إذا أصغى له ركبٌ تلاحى

شجى قلب الخلي فقيل غنى ... وبرح بالشجيِّ فقيل ناحا

وكم للشوق في أحشاء صبٍّ ... إذا اندملت أجدَّ لها جراحا

ضعيف الصبر عنك وإن تقاوى . وسكران الفؤاد وإن تصاحى

بذاك بنو الهوى سكرى صحاةً ... كأحداق المها مرضى صحاحا

شدو الحمام هنا واحد،  لكن وقعه على المتلقى كان مختلفا ومتعددا وربما متناقضا أيضا،

فأحدهما وهو الخلي تلقاه غناء طربت له جوانحه واستطابته أذناه ، بينما تلقاه الشجي صاحب القلب المعنى وكانه نواح حبيب فقد محبوبه ، وهكذا أنفسنا تستقبل وترسل، وإسالها يعكس حقيقتها هى وليس حقيقة ما استقبلته           

        خطرت تلك الخواطر وأنا أتابع نشرات الأخبار وما تنقله القنوات الفضائية إلى الناس من رزايا العصر وخطايا أبنائه المحترمين في القرن الواحد والعشرين ، وكم هم يكذبون ومن فرط الكذب يصدقون أنفسهم ويخدعونها .

        يتحدثون عن الحب وهم يقصدون الكراهية ، وعن السلام وهم يشعلون الحروب،  وعن العدالة وهم يذبحونها ويمثلون بجثتها ويشربون  دماءها ، وعن محاربة الإرهاب وهم يمدونه بكل أسباب النمو والتطور والبقاء ، وعن حب الوطن وهم يبيعونه ، وعن الحق وهم يمارسون أكثر أنواع الغباء في التزوير والتلفيق المفضوح .

        صدورهم تضيق بمن يعارض ويبحثون له عن بلوى يصنفونه بها ، وأنت إما أن تكون معهم بلا عقل ولا فكر ولا رأي و تدخل في الزفة، وإلا فأنت إخواني إرهابي أو فئة مندسة .

        تابعت تعليقات بعضهم على محاكمة الرئيس مرسي فأدركت حجم التردى الذى وصلنا إليه ، وأيقنت أن تسعة أعشار أوزانهم تفاهات،  وأن العشر المتبقى  هونوع من العاهات العقلية الجديرة بمنع أصحابها من مخالطة البشر العادى حماية للذوق العام  وحتى لا تنتشر تلك العاهات ومعها التفاهات لتفسد المجتمع كله .

        وتتابع الأغبار فتجد ظواهر قد انتشرت يعرف من يعيش حتى بنصف عقل من وراءها،   فواحد يدعو لخلع الحجاب !!! ولا ندرى ما هي مشكلته ؟ 

          وآخر لا شغل له غير التشكيك في الأئمة !!

        وثالث يفتح كل حنفيات ومواسير الفتاوى ليشغل الناس بقضايا ويصرفهم عن قضايا أخرى

        مسكينة أم الدنيا، حمالة للأسية والأسى،  يصب على رأسها كل يوم كم هائل من العبث لو صب على رأس جبل لذاب،  لكنها على كل حال ستبقى بالأوفياء المخلصين من أبنائها ، وستعرف يوما من كان صادقا في محبتها ومن كان باسم الحب يغتال حاضرها ويدمر مستقبلها وينتهك حرمة ماضيها وتراثها.

        ووسط تلك الهموم وجدت نفسى أوجه رسالة للرجل النظيف المحترم،  الذى تعود السفلة على إهانته حتى وهو على  قمة الحكم، فاستعمل حقه الدستورى في العفو عنهم وأخرجهم من السجن، ورأيت من أدب المروءة أن أخاطب الرجل بما يليق به فكانت تلك الكلمات التى أبت إلا أن تخرج  تنهيدة  في زمن الغدر السياسي :

           تعرف يا فخامة الرئيس أنني لست من جماعتك ، فلم أشرف بذلك الانتساب من قبل ، غير أن خصومك اليوم يحسبون كل صيحة عليهم ، ومن يعارضهم فهو من جماعتك رغم أنفه ، والورق ورقنا والملفات معنا .

          ما يربطنى بك أننى وملايين غيرى قد اخترناك  لنظافة يدك وصفاء نفسك ، ولأنك ابن فلاح مصر ى عاش على هذه الأرض وأحبها وعشق ترابها وخدمتها .

        لذلك نرى أن من حاكموك ويحاكمونك إنما يحاكمون مصر أرضا وتاريخا وحضارة وثورة وشعبا وشرعية .

        يحاكمون اختيارات الناس وحريتهم ، ومن ثم فهم كمن يحاكم الفجر لأنه شق حجب الظلام ، ويحاكم النهار لأنه طلع بعد ليل ، ويحاكم الشمس لأنها أشرقت على مصر بعد شتاء قارس وغيوم استمرت ٦٠ سنة، وهم يريدون إعادة هذا الشتاء  من جديد بقسوته وظلمه وظلامه، ولكن هيهات فالفجر لابد أن يأتي بعد ليل طويل معتكر، والنهار لابد أن يأتى بأنواره ، والشمس لابد أن تشرق بضوئها وحراراتها .

          صلابتك كرمز تحيرهم.،  وإصرارك على الحق يقُضُّ مضاجعهم ، ويشعرهم دائما بحجم جريمتهم وسرقتهم للثورة .

        ولذلك يحيى الشرفاء  صمودك وإصرارك وانتصارك عليهم حتى وإن كنت في القيد، فالأحرار لا تحدهم القيود، ولا تحجز إشعاعاتهم أقفاص الزجاج حيث المواقف تخترق كل الحواجز ، والإصرار يتخطى كل أعداد الحراسة مهما كثرت ، ونقول لهم مذكرين وإن لم ينسوا :

            حاكموه …وسيفضحكم التاريخ

           إسجنوه …وستُخْرِج الشمس صوره مع ضوء النهار .

        إحبسوه في ظلمات السجون وسيخرج القمر ضوءه في كل مساء .

          إعتقلوه ، ..وسيستمد كل حر زاده من صلابته .

          إطرحوه أرضا يخلو لكم وجه مصر.  ….ولكن سيقف بجواره الشجر والحجر والليل والنهار والشمس والقمر.

        غيبوه عن الناس ….وسيرواد بهدوئه وطمانينته ويقين إيمانه أحلامهم في كل سحر.

          إشنقوه … وسيحيا علي أوتار حبل المشنقة .

          غَموا عيونه حتي لا يراكم …وستري الدنيا في وجهه إشراقة الحق وإن لم يتحقق، وبشائر النصر، وإن طال انتظاره ، وتألق الرضا ، وإن طالت المحنة وزاد البلاء ، وعلي ابتسامته سيجد المترددون والمتشككون كل أمواج اليقين والثقة .

        أقيموا الحواجز والبوابات ، وحصنوا محبسه بكل أنواع الفولاذ،  وسيخرج الإصرار من أعماقه المتألقة ليتخطى كل الحواجز والحصون ، ولينطلق بكل أدوات البيان قائلا :

          أنا ابن مصر…ومرسي مصر…وصوت مصر

        أعشق الموت وأزهو بالمنية…..وقد كسرت الشرنقة

          ووقفت كي أحيا على أوتار حبل المشنقة .

          إن يقتلوني ألف مرة

          فأنا ابن مصر ..ومرسي مصر … وصوت مصر.

          أو قطعوا جسدي ولم ألق الذي يسطيع جمعه.

          فأنا ابن مصر ..ومرسي مصر.. وصوت مصر .

          أو كبلوني بالأسى.

          فأنا ابن مصر ومرسي مصر وصوت مصر .

          أو أرضعوني من حليب سياطهم مليون رضعة.

          فأنا ابن مصر ومرسي مصر وصوت مصر.

        وعيون مصر قوية وأبية وعصية لا تنكسر

          فليجمعوا من كيدهم كل الحِيَل

          وليخرجوا من صدرهم كل العلل

        وليفعلوا من جهلهم كل الخبل

        لن تذرف العين الأبية أي دمعة.

          فأنا ابن مصر ……ورجولتى لم يعرفوها.

        وأنا ابن مصر ………وعقيدتى لم يقرأوها .

        وأنا ابن مصر…… وبطولتي لم يفهموها.

        و أنا ابن مصر…. وعزيمتي لن يضعفوها .

        وأنا ابن مصر …….وإرادتي لن يقهروها.

            فهي في ليل المآسي ألف شمعة .

          أقتلوه ……وستثأر له كل حبات الرمال ، وكل نسمات المساء ، وكل قطرات الندى ، وكل أوراق الشجر ، وحتي رفات المقابر .

        إفعلوا به ما يحلو لكم  ….فقد تحول رمزا حتى وإن مات وغاب جسده  …فسيبقى علي قيد الحياة رغم الموت هو ابن مصر ومرسي مصر وصوت مصر..

        يجدد في همة كل شريف روح الكفاح .

        ويزود كل باحث عن الحرية بأشرف أساليب المقاومة .

        ويشرح للناس أعلاها وأقواها وأغلاها وأبقاها في مواجهة كل لصوص الوطن ، وكل المعروفين بالخيانات والغدر. ..وكل من حولوا الوطنية إلى سوق وتاجر وسمسار.  

          فضيحة محاكماتكم الهزلية ستلحق بكم العار علي مدار التاريخ .

           وستلطخ جباهكم بالوحل والخزي أمام كل سكان الدنيا، وستجعلكم أضحوكة حتي لجمهوريات الكرتون ، وعش الغراب ، وبدو صحراء الميكي ماعز، وقطيع الوطاويط  والجرذان الشاردة .

            المفتى العام للقارة الأسترالية