لا تخافوا... إنّه قد قام

المطران طربية:  "يأتي عيدُ الفصحِ هذه السنة في الوقتِ المناسب، ليساعدنا على وضع حدٍّ للخوفِ والقلق..."




رسالة صاحب السّيادة المطران أنطوان- شربل طربيه

لمناسبة عيد الفصح 2020

المطران طربية: "يأتي عيدُ الفصحِ هذه السنة في الوقتِ المناسب، ليساعدنا على وضع حدٍّ للخوفِ والقلق..."

لا تخافوا... إنّه قد قام

تسجيل فيديو لكلمة المطران طربية:  https://youtu.be/LWoc0cnpP6w 

أيُّها الإخوةُ والأخوات، أبناءَ وبناتِ أبرشيتِنا المارونيةِ الأحباء،

يُطلُّ علينا عيدُ القيامةِ هذه السنةِ بحُلةٍ مختلفةٍ لم نكنْ نتوقّعُها، وبتدابيرَ مؤقتة ٍ لم نعتدْ عليها، اذ نحتفلُ به ولأولِ مرّةٍ في التاريخِ الحديثِ من دونِ حضورِ المؤمنينَ في كنائسِهم الراعوية.

إنها خبرةٌ جديدةٌ وغيرُ مألوفةٍ أن نُضطرَّ إلى اغلاقِ أبوابِ كنائسِنا، وان يشاركَ المؤمنونَ احتفالاتِ العيدِ عَبرَ الشاشاتِ الصغيرةِ من منازلِهم، ضمنَ اجراءاتٍ وِقائيّةٍ متشدّدةٍ أقرتها الحكومة، ونحن نلتزم بها جميعاً، للمساعدةِ على  الحدِّ من انتشارِ وباءِ الكورونا فيروس. 

وكان انسانُ اليومِ، ولغايةِ الامسِ القريبِ، يَعتبرُ أنَّ من حقوقِه المكتسبةِ حريّةِ السفرِ، والعملِ، والترفيهِ، والنشاطِ الاجتماعي، ونسجِ العَلاقاتِ الانسانيّة. لكنَّ الاسابيعَ الماضيةَ بدّلتْ هذه المفاهيم، وكأنَّ الانسانَ كان يعيشُ في حُلمٍ جميلٍ واستفاق منه ليتفاجأَ بواقعٍ جديدٍ صعب، فيه الكثيرُ من الخوفِ والقيودِ وضبابيّةِ الرؤيةِ بسببِ الوباءِ العالميِّ المستجِد.

خبرةُ الخوفِ عاشتها النسوةُ ايضاً في صباحِ اليومِ الثالث، يومِ قيامةِ الربِ يسوعَ من بين الاموات، منتصراً على الخطيئةِ والموت. فبعدَ احداثِ الجمعةِ العظيمةِ كان الخوفُ يسيطرُ على الرسل، واستولى ايضاً على قلوبِ النسوةِ اللواتي رُغمَ ذلك جئنَ في الصباحِ الباكرِ ليُطيِّبْنَ جسد َيسوعَ بحسبِ التقليد. والسؤالُ الأكبرُ كان: مَن سيدحرجُ لنا الحجرَ عن بابِ القبر؟

وأتى الجوابُ من عندِ الرب، اذ ارسلَ ملاكَه فدحرجَ الحجرَ ووقفَ عندَ بابِ القبرِ وقال للمرأتين اللتين دخلتا إلى القبر:

"انتما لا تخافا، انا اعلمُ انكما تطلُبان يسوعَ المصلوب، فهو ليس هنا، لانه قامَ مثلما قال" (متى 28: 5-6)

لقد أزال كلامُ الملاكِ الخوفَ من قلوب النسوة، واعاد اليهِنَّ سلاماً داخلياً كنّ بحاجةٍ اليه. لقد اتينَ الى قبرِ يسوعَ للتعبيرِ عن محبتِهنَّ وعن ايمانِهنَّ بالذي مات على الصليب. أتينَ بحزنٍ وبكاء، وعادت المرأتانِ اللتانِ دخلتا إلى القبر، مملوءَتينِ نعمةً وفرحاً، مسرعتَينِ لنقلِ الخبرِ العظيمِ والسارِّ الى الرسُل: أنّه ليس هناكَ. لقد قامَ من بينِ الاموات.

 ونسألُ اليومَ: مَن يدحرجُ لنا حجرَ الكورونا فيروس، القابعَ على صدرِ البشريةِ الخائفةِ والمتألمةِ؟ من يُعيدُ الينا سلاماً فقدناهُ نتيجة هذا الوباء؟ من يواسي المرضى ويُقوِّي الاطباءَ والممرضينَ والمُسعفينَ لمتابعةِ رسالتِهم النبيلة؟

أمامَ هذه التساؤلاتِ، وظلاميةِ المرحلة، تتردُّدُ في أعماقِنا كلماتِ الملاك: إنه ليس هنا.... لقد قام، وتَسطَعُ انوارُ القيامةِ البهيّةِ  لتنيرَ لنا ظلمتَنا، وتنفتحَ طريقُ تجديدِ ايمانِنا من خلالِ تَوبةِ القلبِ والعودةِ الصادقةِ عن الخطيئةِ والمصالحةِ مع الله والقريب.

ويأتي عيدُ الفصحِ هذه السنة في الوقتِ المناسب، ليساعدَنا على وضعِ حدٍّ للخوفِ والقلق، وينطلقَ بنا في مسيرةِ تسليمٍ اراديٍّ لمشيئةِ الرب، واضعينَ بين يديهِ المقدسَتينِ، مستقبلَ عائلاتِنا ومجتمعِنا، وبلدِنا والعالم، لأننا نؤمنُ بأننا لا نَبلُغُ  شاطئَ  الأمانِ إلاّ معَه، ولأنّ يديهِ المقدَّستينِ واللتينِ تقودانِ سفينةَ حياتِنا، هما  فقط مصدرُ كلِّ رحمةٍ وخيرٍ وسلام. فنحن على يقينٍ بأننا حينَ  ننظُرُ إلى قيامةِ الربِّ بأعيُنِ الايمان، لا بدَّ من أن نتخطّى حواجزَ الخوفِ التي تكبِّلُنا وننتصرَ على الإحباطِ الذي يلُفُّ عالمَنا.

أيها الاحباء،

أمامَ خوفِهنَّ وارتباكِهنَّ، قال ملاكُ الربِّ للنسوةِ اللواتي أتينَ الى القبر، لا تخفْنَ... انه ليس هنا، لقد قام!

نُصلي اليك ايها الربُّ في هذا العيدِ المجيدِ قائلين:

أمامَ الخوفِ والحزنِ، كن أيها المسيحُ القائمُ سلامَنا وفرحَنا!

أمامَ الضعفِ والاحباطِ، كن أيها المسيحُ القائمُ قوَّتَنا وعزمَنا!

أمامَ المرضِ والموتِ، كن أيها المسيحُ القائمُ شِفاءَنا وحياتَنا!

أمامَ مستقبلٍ مجهولٍ، كن أيها المسيحُ القائمُ رجاءَنا وطريقَنا!

واجعلْنا مع عائلاتِنا، وجاليتِنا، وكنائسِنا، نعلنُ اليومَ وكلَّ يومٍ بايمانٍ وفرحٍ قائلين:

المسيحُ قام ....حقاً قام!

ونحن شهودٌ على ذلك!

+ المطران أنطوان-شربل طربيه

راعي أبرشية أوستراليا المارونية

عيد القيامة المجيدة، 12 نيسان 2020





 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
حقوق الطبع 2007 - تيميس.كوم الشرق الاوسط