من صلب المسيح لن يصعب عليه تدمير علما الشعب! |
|
الى علما الشعب القرية الجنوبية المسالمة و المحايدة! بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ! بقلم جوسلين شربل بدوي لماذا كل هذا الحقد على هذه القرية الجميلة، الوديعة و المسالمة بأهلها وناسها الطيبين؟ لماذا كل هذا الخراب والدمار دون رحمة لقرية لم ترفع يوماً سلاحها على أحد، لا داخل البلد ولا خارجه؟ لماذا كل هذا العدوان الاسرائيلي الهمجي على قرية خالية من السلاح والمسلحين، ومن المظاهر العسكرية، كما لا يوجد فيها أحزاب مناهضة لهم؟ لماذا كل هذا الأذى و الضرر تجاه أبناء علما الشعب المسالمين والذين يعيشون بسكينة وسلام وتصالح مع جيرانهم وعدوهم؟ وينبذون العنف و الكراهية؟ انما قرار الحرب أتى خارج عن ارادتهم بل فُرضت عليهم كما فرضت على كامل الاراضي اللبنانية ولم يريدوها ولم يشاركوا يوماً فيها! كان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي يكرر مراراً و مراراً أن الحرب مع حزب الله وليست مع شعب لبنان. فلماذا دمرتم شعب لبنان في علما الشعب الخالية من حزب الله و من أي وجود مسلح؟ من لم يسمع ببلدة علما الشعب الجنوبية! هذه البلدة اللبنانية الجنوبية المحاصرة بين نيران القصف المتبادل بين حزب الله وإسرائيل. تقع في أقصى الجنوب اللبناني في قضاء صور، تمتاز بموقع رائع على هضبة مطلّة على ساحل الناقورة، سكّانها من الموارنة والروم الملكيين الكاثوليك والانجيليين وهي البلدة المسيحية الوحيدة في قضاء صور كما هي أكبر قرى القضاء من حيث المساحة. يقارب عدد سكانها ٣٥٠٠ نسمة اما المقيمين فيها فيقارب عددهم ١٢٠٠ نسمة. علما الشعب هذه البلدة الجميلة الواقعة على الشريط الحدودي والمتروكة للعنة الجغرافيا ولعنة تجاهل الدولة منذ استقلال لبنان! اللعنة الموجعة التي يدفع اهاليها ثمناً باهظاً في كل جولة قتالية وحرب همجية لا ناقة لهم فيها ولا جملًا. ذنبها فقط ذنب جغرافيتها المحاذية لاسرائيل، وحدودها المتاخمة مع إسرائيل هي سبب بؤسها ودمارها، إذ يمتد خراجها من الجنوب ليصل الى الخط الازرق الفاصل بين لبنان واسرائيل. في 9 تشرين الأول 2023 أي بعد يومين من عملية الطوفان الأقصى أطلق حزب الله، صواريخ على مزارع شبعا المحتلة. ردت عليهم اسرائيل فوقعت القنابل بكثافة في علما الشعب. وجد أهل البلدة أنفسهم محاصرين عالقين في مرمى النيران المتبادلة بين حزب الله والقوات الإسرائيلية عندها غادرت العائلات فنزحت الى بيروت ليعيشوا بكرامة، من دون منّة من أحد، ومن دون توسل المساعدات. إلا ان عشرات الشباب، مع خوري القرية الأب مارون الغفري الذي أبى ان يغادر، ظلوا في البلدة للحفاظ على ممتلكاتهم وأرزاقهم. يعد هذا النزوح السابع لهم خلال السنوات ال 50 الماضية. منذ حوالي الثلاثة أشهر بعد تلقي انذار من اسرئيل بالمغادرة أُجبر من تبقى للنزوح الفوري وإخلاء القرية كلياً من أهلها. ليبدأ التوغل البري للجيش الاسرائيلي في لبنان مطلع أكتوبر 2024 آنذاك فتمركز في علما الشعب ليسكن في بيوتها ويأكل ويشرب وينام فيها. طيلة هذه الفترة ممنوع على أحد ان يدخل القرية. هنا وقعت الفاجعة، يوم الاحد في 26 كانون الثاني 2024 لدى انسحاب الجيش الاسرائيلي من القرى التي احتلتها ودخول اهالي علما الشعب لتفقد بلدتهم ومنازلهم بمرافقة الجيش اللبناني. كان المشهد مرعباً، قطع كل اشجار الصنوبر الشامخة التي تزين مداخل البلدة، طرقات جرفت، بنى تحتية دمرت، كنائس هدمت، منازل قصفت و فجرت و سويت بالارض، منازل حرقت بكامل محتوياتها، منازل نفذت فيها عمليات تفتيش, تحطيم لمحتوياتها, سرقة الأجهزة الكهربائية وكل ما هو ثمين، وتنكيل بحرمة البيت. ما كان من اهل البلدة الا ان يجلسوا على أحجار ركام منازلهم يصفقون على وجوههم ويبكون ويتحسرون على جنى عمرهم. حتى الأراضي الزراعية، وهي باب رزقهم يعتاشون منها لم تسلم من شرهم، فتحولت الى ارض جرداء قاحلة، اذ تم قصفها وحرقها بالفوسفور. لم يكتفوا بذلك بل استمروا بأعمالهم الشنيعة. أكثر ما استفذني و اغتاظني هو سرقة اشجار الزيتون المعمرة لأكثر من مئات السنين والتي سقوها أجداد الاجداد بعرق جبينهم فاقتلعها المحتل من جذورها وزرعها في أرض اسرائيل لان شجرة الزيتون هي الشجرة الوحيدة الممكن نقلها واعادة غرسها. يا له من دمار هائل! يا له من مشهد مرعب! اذ لم يسلم منزل واحد من شر هؤلاء السفاحين. هذه المنازل التي كانت كناية عن مزيج من البيوت القديمة، بيوت الاجداد التي تحكي جدرانها قصص الماضي وتحضن الذكريات، و من قصور فخمة بناها أبناؤهم من عرق جبينهم ودفعوا ثمنها غالياً في بلاد الاغتراب، وخير كان يدفق من بيوت أهلها ومن بساتينهم. ماذا حلّ بهذه البلدة الجميلة؟ انها لنكبة حقيقية ومأساة انسانية أدت الى تهجير أهلها كباقي قرى الشريط الحدودي وتدمير منازلهم وقطع ارزاقهم. لي في علما الشعب أقارب من لحمي ودمي أحبهم وأزورهم في كل مرة أزور وطني كما لي ذكريات طفولة جميلة عند زيارة علما الشعب مع أهلي لتمضية فترة الاعياد وخصوصاً عيد السيدة حيث كانت الاحتفالات عامرة في ساحة الكنيسة بالموسيقى والدبكة، يوم كان الفرح والسلام يسودان البلدة وقد اصبحت اليوم موشحة بالسواد والحزن والحسرة لتصبح بلدة منكوبة بالكامل لا يوجد فيها اي شيء من مقومات الحياة. لماذا كل هذه الكراهية لعلما الشعب و لأهلها الذين يدفعون ثمن تمسكهم و تجذرهم بأرضهم؟ لماذا كل هذا الغضب على هذه البلدة المسيحية المحايدة التي تلحقها لعنة الجغرافيا؟ بأي ذنب قتلت ؟ من صلب المسيح لن يصعب عليه تدمير علما الشعب! |