ندوة حول كتاب " وطن في العناية الدائمة" للوزير قزي في جامعة AUST





ندوة حول كتاب " وطن في العناية الدائمة" للوزير قزي في جامعة  AUST

حمادة: يشهد توثيقاً لمرحلة حية من تاريخنا غنية بالمعلومات والخلفيات

جريج: يستندُ الى سوابق تاريخية مربوطة بأحداثِ اليوم، وكأن التاريخَ يعيدُ نفسَه

درباس: رشيد كرامي كان يبادرني بالسؤال: " ماذا قال سجعان في تعليقه اليوم?".

08 آذار 2018

اقامت جامعة AUST والمؤسسة العامة للدراسات والاستشارات ندوة حول كتاب معالي وزير العمل السابق الاستاذ سجعان قزي "وطن في العناية الدائمة" شارك فيها رئيسة الجامعة هيام صقر ، وزير التربية مروان حمادة، وزير الاعلام السابق رمزي جريج، وزير الشؤون الاجتماعية السابق رشيد درباس، واختتمت بكلمة للكاتب الوزير قزي.

وحضر الندوة الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان، الرئيس السابق للحكومة تمام سلام، نائب رئيس الحكومة السابق الوزير سمير مقبل، النواب: بطرس حرب، نديم الجميل، نبيل دي فريج، والوزراء السابقون: شارل رزق، خليل الهراوي، ادمون رزق، محمد المشنوق، روجيه ديب، ابراهيم شمس الدين، ناجي البستاني، جوزف الهاشم ،كريم بقرادوني، روني عريجي، وشكيب قرطباوي، قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، عميد السلك القنصلي جوزيف حبيس رئيس المجلس الاقتصادي – الاجتماعي السابق روجيه نسناس، وعدد من السفراء العرب والاجانب وشخصيات سياسية ونقابية واجتماعية واعلامية واكاديمية.

بداية النشيد الوطني، ثم ادارت الندوة الاديبة ماجدة داغر، وكانت الكلمة الاولى لرئيسة الجامعة السيدة هيام صقر قالت فيها:

كلمة السيدة هيام صقر

أهلًا بكم في جامعتنا التي تفتح رحابها دائمًا للأنشطة الثقافية المتوالية إيمانًا منها بأن الثقافة ضرورة أولى لترفد التحصيل الجامعي.

نستقبل ضيفنا اليوم كاتبًا مجلّيًا في مناسبة أدبية، بعدما استقبلناه وزيرًا في مناسبة جامعية، ونرى إليه في المناسبتين لبنانيًّا ناشطًا في العمل السياسي والوطني، عاملًا دَؤُوبًا على خدمة لبنان في أكثر من ميدان.

وفي كل ما نعرفه فيه، يتميز بالشجاعة في القرار، والإقدام على حل المواقف والمواقع الصعبة، هو المرصود، منذ مطالع حياته الصحافية والحزبية والسياسية والوطنية، على مواجهة الأزمات بحكمة الشيوخ واندفاعة الشباب.

وفي كل ما قرأْنا له من مؤلفات، لمسنا لديه حرصه على إبراز دور لبنان في التاريخ، قديمه والوسيط، لإطلاع وطنه من رمادية المواقف إلى نصاعة الحضور، وطنًا لا يقاس بحجمه الجغرافي بل بإشعاعه الفكري على أرضه كما في محيطه والعالم.

وهوذا كتابه الجديد، يؤشّر على العلة ويقترح الحلول، لا من موقع الشافي بل من موقع المحلل الصائب الرأي، الذي يقرأ الأحداث بعين ثاقبة ترى ما خلف الأحداث، وبعقل تحليلي ناضج يستبق الحدث بالإشارة إلى مخاطره الداهمة.

وإذا هو وضع وطنه "في العناية الدائمة"، فهو يرمي بذلك لا إلى الحالة الـمَـرَضية مفصولةً عن الحالة العامة، بل إلى الحالة الخاصة التي - إذا تأمنت لها العناية - تُبقي على الوطن معافى دائمًا، سليمًا دائمًا، ومتطلعًا دائمًا إلى صحة مستقبله وصحة أبنائه في هذا المستقبل.

كلمة وزير التربية الأستاذ مروان حمادة

ثم القى وزير التربية والتعليم العالي الأستاذ مروان حماده كلمة قال فيها: وكأننا الليلة من خلال هذا الحضور امام حكومة المصلحة الوطنية ملتئمة..(رزق الله على تلك الايام)، ونتمنى ان لا تأتينا حكومات المصلحة الفردية بدلا من المصلحة الوطنية.

الناظر إلى هذا الكتاب الذي نجتمع حوله اليوم، وكأنه يشهد توثيقاً لمرحلة حية من تاريخنا الحالي، غنية بالمعلومات والخلفيات  ، ومدعمة بالربط مع سياسة المنطقة وأصحاب القرار فيها، والأهم من هذا كله فإن في كل مقالة انسكاباً من روح الكاتب وخبرته وتحليله واستنتاجه.

إن الوطن هو فعلاً في العناية الدائمة وهذا الكتاب يشكل مرآة لمرحلة حساسة جداً ما زلنا في قلبها، نشهد تطوراتها في لبنان والمنطقة المحيطة بنا وفي العالم.

وإنني في هذه المناسبة أود أن أتقدم بتحية الشكر والتقدير من الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا A.U.S.T ومن رئيستها الشجاعة والمجددة السيدة هيام صقر ومن الهيئة الإدارية والأكاديمية فيها، وهي جامعة رسمت لنفسها خطاً تصاعدياً لجهة سلوك نهج الجودة واختيار الإختصاصات الجديدة ونجاح خريجيها في سوق العمل الداخلية والخارجية.

أيها الكرام، ربما أتينا ، الصديق سجعان وأنا ، من مواقع سياسية متواجهة في بعض الأحيان، ومترافقة في أحيان أخرى، لكننا حتماً إلتقينا على حرية لبنان وقراره الوطني غير الملتزم بأي روزنامة إقليمية أو إملاءات دولية، سوى التزام المصالح الوطنية المنزهة عن كل هدف آخر.

وإنني إذ أقدر في الصديق سجعان قزي تاريخه في النضال من أجل لبنان، فإنني متوافق جداً معه على التقدير الكبير لدولة رئيس الحكومة السابق تمام بك سلام الصبور على عاتيات الظروف، والحكيم في أخطر المواقف، والذي قاد الحكومة وأوصل لبنان إلى عبور مرحلة في غاية الصعوبة والخطورة، فحافظ على الوطن وعلى تماسكه ووحدته واستقلاله.

أيها الحضور الكريم،

نحن في زمن الإنتخابات في ظل قانون جديد، نعرف معه كيف نذهب إلى صندوقة الإقتراع لكننا لا نعرف أو نتوقع بدقة كيف ستكون الحال بعد صدور النتائج.

وانطلاقاً من عدم اليقين بما سيأتي به الغد، تتفكك التحالفات، وتنشأ أخرى جديدة، وتنشط الحسابات ويحار المرشحون على أي وتر يلعبون لإستقطاب المواطنين، لكن حقيقة واحدة ساطعة وهي ارتباك المرشحين ويأس المواطنين وخشيتهم من أن لا تنجح الإنتخابات في إحداث التغيير الذي يتطلعون إليه فتغرق البلاد في الإحباط العام.

إن حلمنا وسعينا الدائم وتضحياتنا كانت ولا تزال تهدف إلى إخراج لبنان من حال العناية الدائمة إلى الحياة الطبيعية والتعافي السياسي والأمني والإقتصادي، وأن نتمكن من أن نقدم إلى المواطنين الخدمات العادية التي كانت لهم في سبعينات القرن الماضي، من كهرباء دائمة وطرق تتسع لحركتهم، واستقرار يجلب الإستثمارات والسياحة، وأن نوفق في إفراز شخصيات قيادية توحي بالثقة وتستحق الإحترام.

قد يظن البعض بأن هذا الأمر هو أقل ما يمكن من التطلعات، لكن المواطنين لا يحلمون بأكثر من ذلك، فقد باتت الحرية الحقيقية بعيدة، وبات التشكيك في مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية مقلقاً، مما يستدعي تبصراً بما آلت إليه الحال، وإستنهاضاً للمؤسسات ووعياً للمسؤولية الملقاه على عاتق قيادات الوطن، لكي نستعيد الأمل بالمستقبل، والإندفاعة نحو تحقيق التغيير في منطقة تزداد تدهوراً في كل يوم.

في هذا الكتاب، أيها السيدات والسادة ، تجربة حاضرة بكل واقعية وهي تشكل درساً لمن يرغب بأن يتعلم من الأخطاء لكي لا يقع فيها مجدداً.

وإنني أتطلع بشغف إلى مداخلات الأصدقاء الأساتذة رمزي جريج ورشيد درباس، وأكرر الشكر للجامعة الكريمة على تنظيم هذا اللقاء، وأحيي الصديق الأستاذ سجعان قزي على هذا النتاج الرائع، وأقدر الأديبة والإعلامية السيدة ماجده داغر على هذا التقديم الجميل.

ثم تحدث الوزير جريج فقال:

كلمة الوزير رمزي جريج

كانت معرفتي الأولى بهِ عندَ مطلعِ الثمانينات من القرن الماضي، حين كنتُ مع بُضعةِ أصدقاء من خارج السياسة، مُتحلقين حولَ مائدة الوزير المرحوم خليل أبو حمد، بالبِذْلاتِ الأنيقة وربْطات العُنق الفاخرة. فما هي إلاً برهةٌ حتى دخلَ علينا شابٌ في رَيْعان الفتوة، بلباسٍ متحرر وخطواتٍ ثابتة، فسلّم وجلسَ وتكلّم ... فصرفَتْنا طيِّباتُ حديثِهِ عَن أَطايبِ المائدة، إذ رُحنا نتسقّطُ من كلماتِهِ وتعابيرِ وجهِهِ أوضاعَ البلاد حينذاك، فإنه كانَ على درايةٍ واسعة بما يجري حولَنا بحُكمِ موقِعِهِ مقاوماً في صفوفِ القوات اللبنانية، ومديراً لإذاعةِ لبنان الحرّ، ومستشاراً إعلامياً وسياسياً للشيخ بشير الجميل.

بعد هذا اللقاء، استُشْهِدَ الرئيس بشير الجميل. فأصيبَ سجعان قزي بيُتم سياسي اضطرّهُ إلى مغادرة لبنان والإقامةِ في باريس لسنواتٍ عدةٍ، هناكَ تكرّرت اللقاءاتُ بينَنا وتوطدتْ علاقتُنا، ورُحْنا نَنْهَلُ معاً مِمّا تقدمُهُ العاصمةُ الفرنسية من زادٍ ثقافي، ونتبادلُ حنينَ العودة إلى الوطن، والأملَ بانتهاءِ الحروب وسيادةِ الطمأنينةِ والسلامِ وعودةِ الدولة إلى كل شبرٍ من أرضنا.

منذ ذلك الوقت اكتشفتُ أن سجعان قزي يتمتعُ بثقافةٍ واسعة وأنه بالإضافة إلى بلاغتِهِ في التعبير عن رأيه، محللٌ سياسي بارع يَعرفُ كيفَ يربُطُ بين الأحداثِ ويستشرِفُ من خلالِها المستقبل؛ وإلى جانبِ ذلك، هو صديقٌ مخلص وفيٌ، ورجلٌ عاطفيٌ يُخْفي، تحت مَظْهرِ القساوةِ مشاعرَ رقيقة؛ ولعلّ إحساسَه المُفْرِط بكرامتهِ الشخصية، جعلَه في حَذَرٍ دائم من تعرضِ الآخرين لها.

بعد انتهاء الأحداث في لبنان، عادَ سجعان قزي إلى الوطن، وانكبَّ على التأليف، فأصدر أربعةَ كتب في التاريخ والفكر السياسي، هي: "فصول من تاريخ لبنان" في العام 2003، و"سياسة زائد تاريخ" في العام 2004، و"لبنان والشرق الأوسط" في العام 2008 و"تغيير الأنظمة والثورات" في العام 2013. ثم أخيراً هذا الكتابَ الخامس الجديدَ الذي جمعَ فيه منتخباتٍ من مقالاتٍ نشرَها في جريدتي النهار والجمهورية، وهي مقالاتٌ تخرُجُ عن المألوف في الكتابةِ السياسية، لأنها تتميزُ بأسلوبٍ أنيق طوّعَ فيه المؤلفُ اللغةَ وعرَفَ كيف يختارُ الألفاظَ المناسبة ويودعُها في جُمَل قصيرة، حتى لَـتَشْعُرُ وأنت تقرأُها بأنكَ تستمعُ إلى خُطْبة على منبرٍ، من خطيبٍ مفوه.

وسواءً شاطَرْتَه رأيَه في المواضيع التي يعالجُها بعمقٍ وصراحة أم خالفتَه فيه، فلا يمكنُكَ إلا الوقوفُ عند المنطقِ الذي يعتمدُهُ في التحليل والاستنتاج، وعندَ الجَرأةِ والشجاعةِ في التعبير عن الموقف الثابت بأسلوب ساخرٍ يَلْسعُ ولا يؤذي، يهزأُ ولا يزدري، ينتقدُ ولا يَشْتُم.

على أن المؤلفَ لا يُخفي أن هدفَه من نشرِ هذا الكتاب إنقاذُ أجملِ تجربةٍ حضارية في الشرق، ألا وهي اختبارُ مدى قُدرةِ المسيحيين والمسلمين على الحياةِ الوطنية والثقافية في دولة واحدةٍ مستقلةٍ ومستقرة.

هذا الهدفُ يشكل القاسَم المشتركَ بين مختلفِ المقالات التي جمعَها عنوانان: "لبنانيات" و"مشرقيات". فتناول العنوانُ الأول مواضيعَ داخلية متفرقة، اتخذ المؤلف بصددها مواقفَ سياسيةً واضحة، تنسجمُ مع خياراتِهِ الثابتة، وتناولَ العنوانُ الثاني دورَ لبنان الحَضاري في محيطِهِ العربي والمشْرِقي.

ويقولُ الكاتب إن المقالاتِ تتضمنُ تحليلاتٍ سبقتْ الأحداثَ وتوقعاتٍ تحققت مع الأيام، ومواقفَ شجاعةً إزاء الأزماتِ المتلاحقة التي مرّت بلبنان. وتستوقِفُكَ بعضُ عناوينِ هذه المقالات من مثلِ:

" خرجنا من حروب الآخرين على أرضنا فلا ندخل في حروبهم على أرضهم"،

او

" التضحية بالقضية من أجل السلطة ُتُخْسِرُنا الاثنين"،

او

" من تسليمِ السلاح إلى التسليم بهِ".

تلك العناوينُ تسمحُ للقارئ بأن يُدركَ فحوى كلِ مقالٍ والخلفيةَ السياسيةَ التي أملتْهُ على كاتبه، الذي يُعْرِبُ فيه عن سُخطِهِ مما آلت إليه أوضاعُ البلد وعن أملِهِ في أن يتعافى مستقبلاً ويتحققَ الحُلُمُ بوطنٍ مستقلٍ ودولةٍ قادرة.

وفيما يتعدى تلك العناوين، لا بدّ من التوقف عند مضامينِ المقالات وما تنطوي عليه من تحليلٍ سياسي، يستندُ الى السوابق التاريخية، التي يربُطها المؤلف بأحداثِ اليوم، وكأن التاريخَ يعيدُ نفسَه في الكثيرِ من الأحيان، الأمرُ الذي يدعو الى أخذِ العِبَر من الماضي لأجل تقييمِ الحاضر ومواجهةِ تحديات المستقبل.

والنتيجةُ التي يمكن ان نستخلصَها من قراءةِ مجملِ هذه المقالات هي تأكيدُ المؤلفِ أن مستقبلَ صيغةِ العيش المشترك في لبنان مرتبطٌ بقُدرة المسيحيين والمسلمين على إقامةِ دولةٍ مستقلة قوية، يتساوون ضمنَها في الحقوق والواجبات، ولا يسيطرُ فيها مكوِّنٌ على الآخر، وإنما يحترمُ كلُ فريقٍ خصوصيةَ شريكهِ في الوطن.

سجعان قزي، الكاتبُ والناشطُ السياسي اختارَهُ حِزبُ الكتائب لتمثيله في حكومةِ المصلحة الوطنية التي ترأسَها الرئيس تمام سلام، فكان وزيراً فاعلاً في وزارة العمل التي تولاها وفي مجلسِ الوزراء، حيثُ اتسمت مداخلاتُه، بالبلاغةِ في التعبير وبالمنطقِ في التفكير وبالشجاعةِ في الدفاع عن وُجْهةِ نظره.

بعد استقالةِ حكومةِ الرئيس تمام سلام، عادَ سجعان قزي الى هوايتهِ المفضلة، اي الى تسطيرِ المقالة تِلوَ المقالة في الشؤون السياسية، دون ان يُشيحَ الطرفَ عن العمل السياسي، باعتبار ان الفكرَ السياسي لا بدّ ان يتجسدَ في عملٍ ميداني على أرضِ الواقع. ولقد تمَلّكهُ أثناءَ وجودِه في الحكومة شعورٌ بالاعجابِ تُجاهَ الرئيس تمام سلام، فأهداه كتابَه الجديد معتبراً اياه، كما أعتبرُه أنا شخصياً، رمزَ رجلِ الدولة الحضاري.

و تتيح لي هذه المناسبة ان اوجهَ تحيةَ تقديرٍ ومودةٍ الى الرئيسين ميشال سليمان وتمام سلام، اللذين مارسا دورَهما القيادي غدَاة تأليف حكومة المصلحة الوطنية بتجردٍ وتعاون، الى ان انتقلت صلاحياتُ رئيس الجمهورية بعد نهايةِ العهدِ الى الحكومة، فحافظَ الرئيس سلام، بحكمتِه ودرايتِهِ، على آخر معقلٍ للشرعية الدستورية، ودأبَ في كل جلسة لمجلس الوزراء على المطالبة بانتخاب رئيس جمهورية جديد.

ماذا يُخفي الآتي من الأيام للوزير قزي؟

لا احدَ يمكنُه التكهنً بالمستقبل في ظلِ الاصطفافاتِ السياسية الحالية. جُلُّ ما يمكن قولُه ان للأستاذ سجعان قزي طاقةً كبيرة سوف يستعملُها في خدمةِ وطنه وقدرةً على التكيّفِ مع الظروف.

وأياً كان مستقبلُه السياسي، فرجائي ان يستمرَ في عطائه الفكري وأن لا يَبْخُلَ على القراء بمقالاتٍ شبيهةٍ بتلك التي جمعَها كتابُه الجديد، وان يقتنعَ بأن العطاءَ الفكري يعلو على اي مَنْصِبٍ وزاري او نيابي.

من لقاءٍ اولَ في دارةِ وزير الى لقاءاتٍ متكررةٍ في اجتماعاتِ مجلس الوزراء مسافةٌ من العمرِ امتلأتْ بالمودةِ في رِحابِ وطنٍ لا يزالُ بحاجةٍ الى عناية دائمة. هذه المودةُ تسمحُ لي بأن آخذَ من حرير قزِّ صديقي سجعان خيطاً، أضمُهُ به إلى نَسَبي، لأنه مثلُ أحدِ اجدادي القُدامى علي بنِ العَباس بِنْ جُرَيْج المعروف بابنِ الرومي "طائرٌ يغردُ خارجَ سربه".

وتحدث الوزير درباس فقال:

كلمة الوزير رشيد درباس

عَرَفته بواسطة الأثير، معلقاً سياسياً يومياً في إذاعة لبنان الحر أثناء النزاع الأهلي،  ودأبت على الإستماع إليه دون كلل، وذلك لثلاث:

الأولى عملاً بمبدأ " إعرَف عدوَّك " !!!!

وأضع بعدها علامات تعجب لا نهاية لها.

الثانية، التزاماً مني أمام شهيد لبنان الكبير الرئيس رشيد كرامي، الذي كان يبادرني بالسؤال على طريقته المحببة: " ماذا قال سجعان اليوم".

أما الثالثة، فإعجابي بلغته ونبرته، وفصاحة القول، وسلامة الألفاظ، بحيث كنت أسائل نفسي " ما الذي يزج بهذا البليغ في دهاليز الإنعزالية"، وهو المفَّوه المرتجل؟ أما كانت منابر العروبة به أحرى؟ لكنه زمان مضى، لا رده الله ولا أعاد سجعان خلف مذياع، ذلكم أن طلعته لم تتأثر بعوامل السنين، فالشعر زانه شيب لطيف، والوجه أسيل بلا جُعُودة، والنجومية جعلته فتى الشاشة الأول ، فإذا سبقته أحياناً إلى المرتبة الأولى، رغم الصلع والجعودة والطعنان في السن، فمردُّ ذلك رواج الموضوع الذي توليته لا رواج الوسامة.

عندما أبلغني المؤلف مرسوم تعييني في لجنة التعليق على كتابه، تلقيت الأمر بسرور، لأن الزميل السابق النقيب رمزي جريج  كان الناطق الرسمي باسم غرفة العناية الدائمة التي ينام فيها الوطن، ولأن وزير التعليم، هو بمثابة طبيب دائم في تلك الغرفة، فما يجمعني ورمزي مع سجعان سحابة وزارية عابرة، طالت أكثر مما ينبغي، تحت رئاسة نطاسي نزيه وشريف هو الرئيس تمام سلام، أما مروان فلا غنى عنه، وهو الخبير في الوزارات كلها، من السياحة إلى الاقتصاد فاللاجئين والصحة والتعليم، وأملي أن يكون منصبه القادم وزيراً فوق العادة للكهرباء علَّنا نستضيء بنور عقله، كمصدر للطاقة النظيفة، بعيداً عن تلوث البحر ورجرجة الأمواج، وعلَّ شبكات النقل والتوزيع تتشابه مع شبكات علاقاته المحلية والعربية والدولية.

سجعان وأنا، نتساقى المقالات التي نكتبها، قبل نشرها، ونتناجى بعد ذلك بواسطة المسرَّة – والمسرة هي التلفون وفق مجمع اللغة - وآخر مكالمة مني كانت رجاءً بأن يرجئني إلى كتابه القادم ليتسنى لي التعليق على ما يتدفق بِه أسبوعياً، فقال: أسمح لك بأن تتناول في كلمتك ما أستجد من مقالات، وها أنذا أحاول في وقت قصير تدبيج مداخلة هي أشبه بالأسهم التي تُرسَمُ كإشارات للطريق، وذلك لتلافي مزاحمة الكتاب بطول الحديث عنه، فقراءته تغني عن التعليق، ومن يريد أن يذوق نكهة عسل سجعان، عليه أن يستمتع أولاً بوخز إبره.

أقل من ثلاث سنوات ، وصلني خلالها به الحضور اللطيف للأخت العزيزة  أليس شبطيني في مجلس الوزراء، وكان أثناء الجلسات يتكامل مع زميله في كتلة الكتائب، النقيب رمزي بالتعليقات المقتضبة التي تثير القهقهة، لكنها عميقة المغازي،

وكلاهما من أهل اللغة والتلغيز بما كان يغمُّ على زميلهما الثالث الدكتور آلان حكيم، فتقوم أليس بالترجمة إلى الفرنسية.

ربما يعلم بعضكم أنني كنت أستعين على معاناة الوطن في مجلس الوزراء، وعلى المماحكة وهدر الوقت، بتأليف أشعار كاريكاتورية جمعتها في كتاب صغير أسميته "وزاريات"، وقدمته بعبارة واحدة "وشر الحكم ما يضحك"، ولكن سجعان ومعه رمزي خرجا من الحكومة بعد أن ملآ جعبتيهما مرارة وطرافة، ثم نثرا كنانيتهما وراحا يرجمان القراء بأشد الأعواد وأصلبها مكسراً.

كتاب رمزي على وشك الخروج من فرنه، وكتاب سجعان ورد إلينا أنيقاً، هفافاً جمع فيه مقالاته المكتوبة بقلم واحد وحبر واحد، ونسق واحد، قِوامه ما يعتري قَوام الوطن من مخاطر، "كأنه كتب علينا أن يعفى لبنان من الثورات، على أن تشمله ضرائبها"، وهو في قولته تلك كمن قذف الله نوراً في صدره كما حصل مع الإمام الغزالي، بل هو نور قُذِفَ في صدور معظم فئات الشعب اللبناني، بعد أن صار واضحاً أننا ندفع تلك الضرائب منذ العام 1948، فيما النزاع دائر بين الطوائف، وليس منها من هو معفىً من أداء تلك المكوس.

سجعان كان قريباً من الرئيس بشير الجميل، وكان قائداً في حزب الكتائب، ولكنه مثلي مع اختلاف المواقع، أدرك بالتجربة المكوية بالنار، أن الفيلم الطويل الذي اشتركنا بتمثيله، كان على حساب الدولة فراح يبشر بأننا استنفدنا واستهلكنا أجيالاً وعهوداً ولما نعد بعد إلى صوابنا.

سجعان يقول لنا في كتابه إن الدولة هي أعلى درجات الأمان، وإنّ كلَّ من يُصَدِّعها يحفر قبره وقبورنا.

ولا بد من التنويه، أنني كنت شريكاً له في خلية الأزمة السورية برئاسة رئيس الحكومة، فلم أرَ منه إلا رصانة التناول القائم على فهم صعوبة تحمل لبنان لهذا العبء الثقيل، بعيداً عن العصبية والعنصرية، واللغة الشعبوية التحريضية.

أما ما لفتني كثيراً فهو رؤيوته المتقدمة عندما كشف أن القانون الأرثوذكسي صار وراءنا، ولكن النظام الأرثوذكسي يتربص بنا، علماً أن هذه التسمية المجحفة لا تنطبق على الأصل.

يقول المؤلف، نحن نخجل من تاريخنا، فيما هو يخجل منا، نخجل من أن يسجل كتاب التاريخ أننا تقاتلنا، ولا نخجل من التقاتل، ليصل إلى أن الخلاف على التاريخ هو خلاف على لبنان بكل مراحله."

وبدلاً من أي يكون وعي هذه الحقائق المتأخر، سبباً للعودة إلى فكرة التسوية الجغرافية والمجتمعية التي قام عليها لبنان، نجد أنفسنا في عقم سن اليأس، إذ إن اللبنانيين عندما صاغوا قانوناً للانتخاب المدموغ بكلمة "صنع في لبنان"، أكدوا مرة جديدة، أن المخيلة السياسية اللبنانية لا تستنبط إلا ما يكون في خدمة القوى المهيمنة مع مراعاة هامشية لقوى تتهمش باطراد.

ورغم هذا فهو يؤكد أن مناط إيماننا بلبنان مرهون بإقامة دولة عصرية.

أيها الأصدقاء،

بعد أيام ستقرأون في كتاب الأستاذ النقيب رمزي عن مجلس وزارء كان لا يبت في بعض الأمور، إلا بعد خروج بعضنا إلى الردهات لإجراء مكالمات هاتفية، تطول وتقصر حسب أهمية الموضوع، فلقد زكمت موجاتِ الشبكاتِ المحمولة رائحةُ النَّفايات التي صرفنا عليها الأيام والأسابيع والهواء دون جدوى، وبعد أيام سأكتب في النهار عن ضَياع قرار الدولة من مجلس الوزراء، ولكن الإنصاف يقتضي أن أهدي هذه الكلمة، كما فعل المؤلف، إلى تمام سلام رجل الدولة الحضاري الذي صبر علينا جميعاً، حتى ملَّ الصبر منا، لكي تبقى الحكومة حارسة لكيان تهددت أعمدته بالتداعي، وتقتضي الوطنية أيضاً وأيضاً توجيه الإحترام الكامل الممزوج بالمحبة، لفخامة الرئيس ميشال سليمان، الذي ركب أخشن المراكب في أخشن الظروف وبقي محافظاً على نعومته ودماثته ورباطة جأشه رغم الظلم الذي يستهدفه.

وفي الختام، سأل المؤلف الدكتور رضوان السيد عن معنى سجعان، فقال له "هذه كلمة سريانية معناها الأسد" أما في لسان العرب فسَجَع يعني استقام، كما أن السَّجْعَ هو الكلام المقفى، وسجع الحمام، أي هدل، والسجْع هو القصد المستوي على نسق واحد، فأيَّ المعاني تفضلون؟ أزئيرَ الأسد السرياني أم هديلَ الحمام الزاجل العربي؟

أما القَزازة فهي الحياء، ورجل قزٌ أي حيي، والقزُّ أعجمي معرب، وهو الحرير الذي تفرزه اليرقات بعد أن تتغذى بأوراق التوت، لكننا في لبنان نهمز القاف فيصبح الإسم " سجعان أزي"  والأزير صوت غليان القِدْر، وصوت الرصاص، وصوت الرعد من بعيد. فإذا أخذنا هذه المعاني مجتمعة ومتسقة فإننا نستخلص أن غرفة العناية الدائمة، فِراشها منسوج من قزٍّ لبناني أصيل، وعلى شباكها يسجع الحمام الزاجل، وخلف بابها يئز أزًّا من كل جانب الرصاص العربي، وقرب سورها يزمجر الأسد السرياني، فيما يراقبنا من عِلْي طائراته عدو سعيد بما نفعله بأنفسنا.

وكانت الكلمة الختامية للكاتب الوزير قزي الذي قال:

كلمة الوزير سجعان قزي

ظاهِرُ الكتابِ مجموعةُ مقالات، حقيقتُه مجموعةُ طروحاتٍ في الفكرِ السياسيِّ حولَ لبنانَ والشرقِ الأوسَط. كان يُمكنني نَزعُ العناوينِ وربطُ النصوصِ ليصبحَ الكتابُ بحثًا واحدًا متكامِلاً. لكنّي فضَّلتُ الاخلاصَ للترتيبِ الزمنيِّ ليبقى الكتابُ مرافِقًا تطورَ الأحداث. نشرتُ غالِبيةَ مضمونِه صباحَ كلِّ اثنينٍ في جريدةِ "الجمهوريّة"، والجزء الآخر في جريدة النهار.

كَثرةُ استهلاكِ الكلماتِ لا يُفقِدها معناها، لكنَّ استهلاكَنا إيّاها في غيرِ موقِعها يُفقِدنا صُدقـيَّتنا. كلُّ كلمةٍ في هذا الكتابِ تَـمخَّض بها العقلُ والقلبُ والذاكرة، وخَضعت لفحصِ ضمير. ليس ضميري قاعدةً لكنّه مستقلٌّ، وأنتم شهودٌ على هذه الاستقلاليّة الزائدة. لا أَندَم على انتقادٍ قصدتُه ولا على تنويه وجّهتُه. ليس الكتابُ سِجالا يَعبُر، هو سِجّل يَبقى. حين أكتبُ أتجاهلُ الأشخاصَ والأسماءَ والعلاقات. انكَبُّ على الموضوع. فإن رَبطتُّ كلَّ فكرةٍ بصديقٍ أو خصمٍ، تعذّرت الكتابةُ بموضوعيّة. أنْ نَقبَل الآخَر هو أنْ نتقبَّلَ موقفَه لا وجودَه فقط.

"وطنٌ في العناية الدائمة" عُنوان ديمقراطي. يتمايلُ بين التفاؤلِ والتشاؤم. مَن يعتبرُ أنَّ اللبنانيّين يَعتنون بوطنهِم دائمًا ويَفتدونَه برموشِ العيون، جازَ لهم التفاؤل. ومَن يعتبر أنَّ الوطنَ في العنايةِ الدائمةِ لأنَّ اللبنانيّين يُهملونَه ويُشركون في الولاءِ له ويموتون في سبيلِ قضايا الآخرين، حقَّ لهم التشاؤم.

بعيدًا عن الحالاتِ النفسيّة، نَـمرُّ في أزمةِ وطن. أليسَ معيبًا بعدَ مئةِ سنةٍ على تأسيسِ دولةِ لبنانَ الواحِد، أن نَـحِـنَّ إلى مراحل ما قبلَ التأسيس؟ إلى دولةِ الخِلافة، ودولةِ الإمارة، ودولةِ القائمقاميتين، ودولةِ المتصرفيّة؟ أليس معيبًا أنْ نقارنَ الميليشياتِ بالجيشَ، وأنْ نَستبدِلَ الدستورَ ببرامجِ الأحزاب، وأيُّ أحزابٍ!!!، والمؤسساتِ بالطوائف، والحدودَ الدوليّةَ المعترَفَ بها، حتى من إسرائيل العدوّ، باللاحدود غيرِ المعترَفِ بها حتى من الأشقاء؟

فتيًّا عرَفت الأزماتِ والتسويات، شابًّا عرَفت الحربَ والمقاومَة، رجلاً عرَفت السلامَ الضائع. اليوم، وأنا في ضواحي هذه المراحلِ العُمرية، أشاهِد وطني ضائعًا بين الهويّاتِ والصِراعات والتَياراتِ الغريبة عن تراثِنا وتاريِخنا. وألـمُس عجزًا عن تغييرِ المنحى الانحداري. القادرون مُبعَدون والعاجزون مالكون. التغييرُ في الدولِ يحصلُ عبرَ ثلاثِ قنوات: الطبقةُ السياسيّةِ وهي عندنَا فاشلة، والانقلابُ العسكريّ وهو عندنَا متعذّرٌ والمجتمعُ المدنيُّ وهو عندنَا وصوليّ. إني انتظر غضبَ الناسِ وهو حتمًا آتٍ مع دورةِ الزمن.

تعرّفتُ على أناسٍ في لبنان والعالم. أحببتُ كثيرين وما كرِهتُ أحدًا. سنةَ 1982 عرّفني الزعيمُ صائب سلام على نجلِه تمام سلام في دارةِ المصيطبة. مرّت السنواتُ وهذا التعارفُ ينتظرُ في رَدهةِ الاحترام أن يتحوّلَ صداقةً وإعجابًا. سنة 2014، وكنت نائبًا لرئيسِ حزب الكتائب، كلّفني الحزبُ تمثيلَه، فعُيّنت وزيرًا للعملِ في حكومةٍ يَرأسُها دولةُ الرئيس تمام سلام في آخِر

عهدِ فخامةِ الرئيس ميشال سليمان. فتحوّل التعارفُ عَلاقةً لا تحتاجُ إلى عنايةٍ دائمة. وها إني أُقدّم إليه كتابي، عربونَ محبةٍ وإعجابٍ وامتنان.

لا أعرِف كيف كانت العَلاقاتُ بين رؤساءِ الجمهورية ورؤساء الحكومات، لكني أشهَد أني لم اشعُر بأيِّ توتّر في العَلاقة بين الرئيسين سليمان وسلام. كانا يَحكمان بمحبةٍ وتفهّمٍ وتفاهمٍ واحترام. ورغمَ أن المرحلةَ كانت صعبةَ الخِيارات، تَشاركا في القرارِ الوطني لا لأنهما يؤمنان بخط وطني واحد فقط، بل لأنهما يؤمنان بالقيم ذاتها أيضًا.

ولما افتعلوا الشغورَ الرئاسيَّ ومنعوا انتخابَ رئيسٍ جديدٍ للجمهوريّةِ يَخلِف مباشرةً الرئيسَ سليمان، آلت المسؤوليّةُ الوطنيةُ إلى دولةِ الرئيس تمام سلام، فبانَت قُدراتُ الرئيس إلى جانب قيمِ الرجل. حَكَم لكي لا يَـتحكّمَ أحدٌ بلبنان. حافظ على مجلس الوزراء اللبناني لكي لا يتغيّرَ نظامُ لبنان. حظُّ لبنانَ أنَّ تمام سلام كان رئيسًا للحكومةِ في تلك المرحلة. مَلأَ الشغورَ بشخصيّتِه وحسنِ إدارتِه وطولِ باعه. احترم الأديان ونأى عن الطائفية. سار في هَدي مثلّثِ الله والوطن والانسان.

لم نَشعُر أنه استغيَب رئيسَ الجمهورية ليوسِّعَ صلاحياته، لا بل حدَّ أحيانًا من صلاحيّاتِه من أجلِ الخير العام. برز رئيسَ دولةٍ وحمى لبنان. كان رئيسًا قدوةً بنمطِ حياتِه وبطريقةِ حكمِه: النُبلُ البسيط والحزمُ الهادئ. رَفض البطولاتِ وابتعدَ عن المزايدات. تسلّح بالصبرِ فصار مِثالا، واحتكمَ إلى الضمير فكان عادلاً وطبّق الدستورَ فكان ميثاقيًا. أكثرَ من مرة كان يُمكن أن يكونَ بطلاً على حسابِ المصلحةِ الوطنيةِ، لكنه اختار الحكمةَ لمصلحةِ لبنان. أكثرَ من مرّة تعرّضت الحكومةُ لخطرِ السقوط في إطارِ خططٍ مدبّرة أو بسببِ نزواتٍ شعبويّةٍ، لكنه انتشلها لتبقى الشرعيةُ اللبنانيةُ بانتظار انتخابِ رئيس. آه لو كان يَعلم.....

كان رئيسَ حكومةٍ في أصعبِ مرحلة. رئاسةُ الجمهوريةِ شاغرة، مجلسُ النواب شبهُ معطَّل، حكومةٌ تَضمُّ كلَّ التناقضات، صراعٌ داخليٌّ في ذروتِه، حربٌ سورية في أوجِها، نزاعٌ إقليميٌّ مستعِرٌ، ونازحون يتدفّقون على لبنان وسط َمخاوفَ على المصير.

لم يَنتظر تمام سلام  الميثاقَ الوطنيَّ ليكون ميثاقيًّا، ولا الاستقلالَ ليكونَ مستقِلاً، ولا وثيقةَ الطائف ليعترِفَ بلبنانَ وطنًا نهائيًّا، ولا 14 آذار ليقولَ: "لبنانُ أولا"، ولا مقدَّمةَ الدستورِ ليرفضَ التوطين، هو ابنُ من قال: "لبنانُ واحدٌ لا لبنانان" و"لبنانُ لا يَطير إلا بجناحين". تمام سلام نَموذجُ رجلِ الدولةِ الحضاريّ.

وتلا ذلك حفل كوكتيل وتوزيع نسخا عن الكتاب على المدعويين.