من لبنان إلى إسبانيا... هكذا شفى مار شربل الطفلة "أينور"





من لبنان إلى إسبانيا... هكذا شفى مار شربل الطفلة "أينور"

29 آذار 2017 -

إنتظرَت نغم سلمان بفارغ الصبر سنةً وتسعة أشهر لتبصرَ عيناها ملامحَ الثمرة الأولى لزواجها. فكانت أن وضَعت طفلتَها في 2016/3/30 واختارت لها إسمَ «أينور» أي ضوء القمر، في اللغة التركية. «رأينا فيها النور، الضوء، الشعاع، إنّها قطعة منّي ومن زوجي». تتحدّث نغم وعيناها تنضحان حناناً، ولكن سرعان ما تغرورقُ عيناها بالدموع، فتغيب الحماسة عن نبرتها ويَخفتُ صوتُها، مُتمتمةً: «عندما كشفَ عليها الطبيب للمرّة الأولى تبيَّن أنّها تعاني من ثقبٍ في القلب، والشريانُ الأساسي ضيّق، ممّا يقلّص كمّية الأوكسيجين».

تستعدّ نغم للاحتفال بإتمامِ ابنتها أينور عامها الأوّل، عام تَحار الوالدة في وصفِه «سنة تختصر تحدّيات العمر». رغم أنّ تلك الوالدة اعتادت التحدّيات منذ اللحظة الأولى لارتباطها. فهي شابّة سوريّة، مسلمة، تزوّجَت من فرنسيسكو سانشيز، شاب إسباني، مسيحي.

وسط تأثّرٍ شديد تفتح قلبَها لـ»الجمهورية»: «علاقة حبّ جمعَتني بزوجي، ونعيش معاً بسلام في إسبانيا، حلمنا معاً بطفلنا الأوّل، ولم نتصوّر يوماً أن تكون حياتنا محفوفةً إلى هذا الحدّ بالتحديات».

وتتابع: «عمَّت الفرحة العائلة والأقارب ما إنْ عرفوا أنّني حامل، ولم تكن أبداً سهلةً فترة حبَلي، فوضعتُ ابنتي قبل أوانها، وأمضَت أياماً معدودة في الحاضنة».

لم يكن يشكو أيٌّ من عائلة سلمان أو سانشيز من أمراض أو مشكلات صحّية، لذا لم يَخطر في بالِهم ولو واحِد في المئة أن تعاني ابنتهما من مشكلة.

«ولِدت أينور نحو 2 كيلو و3غرامات، وبعدما كشفَ عليها الطبيب استرعى انتباهَه صوتٌ غريب في قلبها، فطلبَ منّا التوجّه إلى اختصاصيّ في القلب، وهنا بدأنا ندرك الواقعَ المرير، بأنّ ابنتنا تعاني من ثقب في قلبها وشريانٍ ضيّق يمنع توافُر كمّية الأوكسيجين الكافية».

ما أثارَ خوفَ تلك العائلة أنّ الطبيب لم يُطمئنها لجهة أنّ طبيعة ثقبِ قلبِ الطفلة قد يضيق مع نموِّها، «أخبَرني أنّ الثقب من طبيعة صعبة وأنّ ابنتنا تحتاج إلى عملية بعد اكتمال الفحوصات والصوَر، وتحديداً مع اقترابها من عامها الأوّل».

 Image result for ‫«دخيلك يا مار شربل»‬‎

«دخيلك يا مار شربل»

لم يكن سهلاً على العائلة التأقلم مع وضعِ ابنتها الصحّي ومع المراجعات الشهرية التي كانت مجبَرةً على الخضوع لها. فتقول نغم: «حرب نفسية قبل أن تكون معاناة صحية، إبنتي كتلة لحم بيضاء نابضة، بحجم كفّ اليد، أراها تخضع للفحوصات، مسألة ليست بسهلة على قلب الأم».

في ذروة حزنِها وخوفها على مستقبل ابنتها، تذكّرت نغم صديقةً لها في أميركا كانت تُردّد على مسامعها اسمَ القدّيس شربل: «لستُ متديّنةً أو ملتزمةً دينياً، إنّما أقصد مِن وقتٍ إلى آخر الكنيسة مع زوجي، علاقتي بالقدّيس شربل بدأت عن طريق صديقةٍ لي، غالباً ما تُردّد على لسانها عبارة «دخيلك يا مار شربل»، تُدخِله في الشاردة والواردة في حياتها، ما وَلّد لديّ شعوراً بالتعرّف أكثر إلى هذا القدّيس والتواصلِ روحانياً معه».

وتتابع بتأثّرٍ شديد: «كذلك سمعتُ الكثير عن القدّيس شربل عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ما أثارَ رغبتي في التعرّف إليه أكثر وتحميلِه مشكلة ابنتي الصحّية، وتأكّدتُ في قرارة نفسي أنّه لن يبخلَ علينا في شفاءاته».

غمرَت نغم رغبةٌ شديدة في أن تقصد لبنان، لكنّ ظروف ابنتها وعملَ زوجِها منعاها من السفر، فتمنَّت من أحد أصدقائها في لبنان التوجّه إلى عنّايا وإضاءةَ شمعةٍ على نيّة ابنتِها. «طلبتُ من حرارة قلبي وصدقِ

أعماق جوارحي أن تُضاءَ لو شمعةٌ وحيدة، ومِن حسنِ حظّي أنّ صديقاً لي من المحسنين توجَّه إلى ضريح القدّيس شربل وأضاءَ الشمعة، ثمّ صوّرَها وأرسلها إليّ عبر الواتس آب».

تعجزُ تلك الوالدة عن وصفِ ما انتابَها من مشاعر لحظة رؤيتِها الشمعة «فرحٌ ممزوج بالأمل... جُلّ ما أعرفُه أنّ للقدّيس شربل خصوصيةً معيّنة، يلمس قلوبَ محبّيه، حينها كانت ثقتي كبيرة بأنّه سيصنع معي المستحيلَ ويُقدّر ظروفي التي منعتني من زيارته».

الدهشة الكبرى

ضاعفَت عائلة نغم وزوجُها الصلوات على نيّة أينور، كلٌّ بحسب طقوسه، أمّا هي (نغم) فلم تتوقّف عن النظر إلى صورة الشمعة وعن مخاطبة القدّيس شربل ليحلّ نعمتَه على ابنتها.

«واصَلنا مراجعة الطبيب شهريّاً كالمعتاد، وأخيراً كنّا في صددِ تحديد موعد لإجراء العملية وفي قرارة أنفسِنا أنّ الوضع ليس بالسهل، لكنّ طبيب ابنتي تفاجَأ بأن لا حاجة للتحدّثِ عن عملية، الثقبُ لم يُقفَل 100 في المئة ولكنْ ضاقت مساحتُه، وفي المقابل الشريان الضيّق اتّسَع وبدأت كمّية الأوكسيجين تمرّ به على نحوٍ كافٍ».

وتضيف: «خرَجنا من العيادة والفرحةُ تغمرنا، تمنّى علينا الطبيب مراجعتَه بعد 6 أشهر، أمّا زوجي وأنا فتمنّينا من القدّيس شربل أن يُكمل ما بدأه، ويغمرَ قلب أينور برحمته ويداوي ثقبَ قلبها بنور عينيه».

على أحرّ من الجمر تجمع نغم ملفّ ابنتِها لتزورَ لبنان وتقصدَ ضريح القدّيس، لتدوّنَ ضمن سجلّات الأعاجيب ما صَنعه مع أينور.

ماذا يقول مدبّر الدير؟

بانتظار أن تستكمل العائلة الملفّ وتتوافرَ لها ظروف المجيء إلى لبنان، رَفعت «الجمهورية» قصّة الطفلة أينور إلى القيِّم على دير مار مارون – عنّايا الأب لويس مطر، الذي يُشرف على تدوين الأعاجيب والشفاءات، فكان تعليقه الأوّل ابتسامةً من القلب وكلمات تنضَح ثقةً وطمأنينة: «ما يقوم به مار شربل لا يُمكن شرحُه، فهو يتدخّل بطريقة رهيبة، لا يمكن اللحاقُ به، فهو يَجول أصقاع العالم برُمَّتِه».

ويتابع: «كلّ من يلجأ إليه لا يعود خاليَ الوفاض، ما مِن شيء مستحيل عند ربّنا، المهم أن نملك بذرةَ إيمانٍ مقدار حبّة الخردل. وهذه ليست المرّة الأولى التي تتمّ فيها الصلاة في لبنان على نيّة شفاء شخص في الخارج، «وين بيصرَخوا لمار شربل بيسمعُن، من وين ما كان».

ويضيف متأمّلاً بالعلاقة الوطيدة التي بناها القدّيس شربل مع الله، قائلاً: «بلغَ شربل درجةً متقدّمة من رضى الله، لذا غالباً ما أردّد على مسامع المؤمنين: لا تسكروا بمار شربل، بل بمن سكرَ به شربل، أي الله، القربان المقدّس أساس إيماننا المسيحي، والله وضعَ في طريقنا قدّيسين ليقودونا إلى طريق الملكوت».

قريباً ستأتي عائلة أينور لتشكرَه على كلّ نبضةٍ من نبضات قلبها، الذي ما كان ليواصلَ خفقانَه لولا لفتةُ «عريس الطاعة» القدّيس شربل، فيما يَصرخ اللبنانيون على الدوام «يا شربل ساعِدنا يا شربل احمينا».

ناتالي اقليموس - الجمهورية