الرئيس الأميركي الجديد ماذا عن سياسته الخارجية؟





الرئيس الأميركي الجديد

ماذا عن سياسته الخارجية؟

بقلم الدكتور فيليب سالم

20 كانون الثاني2017

اليوم يقسم دونالد ترامب اليمين امام رئيس القضاة، وأمام العالم كله، بأنه سيحترم دستور البلاد وسيحافظ على سلامة شعبها. لكن الرجل يطمح الى اكثر من ذلك، فهو يريد ان يأخذ أميركا الى العظمة. فأية عظمة يتكلم عليها؟ وما هي الاستراتيجية التي سيضعها، والسياسة الخارجية التي سينتهجها، للوصول الى هذه العظمة؟

القضية المحورية هي العلاقة مع روسيا. هذا اول رئيس يدخل البيت الابيض وهو على علاقة مميزة، ولو مشبوهة، مع الرئيس الروسي. يقول ترامب إن التعاون مع روسيا ضروري لإحلال السلام في الشرق ولمحاربة الارهاب. هذا الكلام صحيح؛ ولكن هل سيكون هذا التعاون على حساب أوروبا، والحلفاء التقليديين لأميركا؟ فماذا عن حلف شمال الاطلسي (الناتو) ؟ وماذا عن الاتحاد الاوروبي؟ وهل هو جاد في تفكيكهما؟ وماذا عن اوكرانيا؟ وعن التمدد الروسي في أوروبا الشرقية؟ وهل سيكون ترامب أول رئيس للولايات المتحدة يتنازل عن الدور التقليدي للرئيس كرئيس للعالم الحر أيضاً؟

والقضية المحورية الثانية هي الارهاب. هذا الرئيس ملتزم محاربة الارهاب بكل قوته؛ وها قد جاء بـ "مجلس عسكري" لهذه الغاية. وفي هذا الموضوع هو يختلف جذرياً عن الرئيس أوباما. فترامب يؤمن بان الارهاب كان نتيجة حتمية لفشل السياسات الاميركية، وبالأخص سياسات أوباما في الشرق؛ كما كان نتيجة حتمية للتطرف الديني الإسلامي. ويشدّد ترامب على اسلامية التطرف الديني لأنه يريد ان يقول للمسلمين: هذا الارهاب هو مشكلتكم انتم اكثر مما هو مشكلة الغرب، فتفضلوا الى الصفوف الامامية في الحرب عليه. سيتوجه ترامب إلى الإسلام المعتدل ويقول له: هذه الحرب هي حربك. كفاك صمتاً وكفاك تقاعساً. ومن المؤكد انه سيطلب من السعودية ودول الخليج ان تدفع "فاتورة" هذه الحرب.

وهنا في الشرق وللمرة الأولى يهلل العرب والاسرائيليون معاً لخروج أوباما من البيت الابيض. فالعرب يعتبرونه قائداً متردداً ضعيفاً لا يمكنهم الاتكال عليه لحمايتهم من الاخطار التي تهددهم من الدولة الفارسية. أما الاسرائيليون فهم يعتبرونه غير صادق في التزاماته لحماية أمن اسرائيل. كلهم يتطلعون الى عهد جديد بقيادة رئيس جديد. وبالطبع لم تتضح بعد معالم السياسة التي سينتهجها هذا الرئيس في الشرق، الا اننا نعرف بعض الشيء عن رؤيته لدولتين كبيرتين فيه، هما اسرائيل وايران. فبالنسبة الى اسرائيل ليس هناك من شك في انه سيكون داعما لليمين الاسرائيلي المتطرف. نعرف ذلك من تصريحاته المتكررة ومن الشخص الذي اختاره سفيراً لأميركا في اسرائيل. هذا السفير يهودي متطرف معروف بدعمه غير المشروط لليمين الاسرائيلي؛ وهو يقول إنه سيعمل على نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس. وهل يمكننا ان نصدق ان الرئيس وادارته يجهلون تداعيات قرار كهذا؟ هل يجهلون بالفعل ان ذلك سيؤجج الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني، وسيدفن حل الدولتين وسيفرز تطرفاً فلسطينيا جديداً يضاف الى التطرف الكارثي الذي يفتك بهذا الشرق؟ ان دعم الرئيس الاميركي لليمين الاسرائيلي سيجعله وسيطاً ضعيفاً بين اسرائيل والفلسطينيين؛ لكن قدرته على التعاون مع روسيا تعطيه زخماً جديداً لحل هذه المعضلة. انه لمن المستحيل التوصل الى السلم بين اسرائيل والفلسطينيين ما دام الوسيط الوحيد بينهم هو اميركا. المطلوب وسيط يمثل المجتمع الدولي. وكما تعاونت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن، زائد واحد هو المانيا، في التوصل الى الاتفاق النووي مع ايران، نطلب من هذه الدول ذاتها العمل معاً مرة جديدة لحل هذه المعضلة التي تشكل مفتاح السلام في الشرق. أما بالنسبة الى ايران، فهي تشكل في نظر ترامب ومساعديه مصدر اكبر خطر على الاستقرار والسلام في المنطقة بعد الارهاب. ثلاث نقاط ستحدد العلاقة بين أميركا والدولة الفارسية. النقطة الاولى هي الاتفاق النووي. فعلى رغم من تصريحات الرئيس ترامب المتكررة من إلغاء الاتفاق النووي، يقول معظم قادة ادارته إن العهد الجديد سيحترم قرار حكومة اوباما وسيحترم هذا الاتفاق. ان المس باتفاق كهذا يهدد مصداقية أميركا وقدرتها على ابرام معاهدات واتفاقات دولية في المستقبل. والنقطة الثانية هي التمدد الايراني في المنطقة الذي يشكل خطراً على مصالح اميركا الحيوية في الشرق؛ كما يشكل خطراً على الاقتصاد العالمي. فان تمكنت ايران من السيطرة على منابع النفط في الشرق الاوسط تصبح تلقائياً صاحبة القرار في مسار هذا الاقتصاد. وأما النقطة الثالثة وقد تكون الاهم فهي ان ايران الثورة الاسلامية لا تزال تشكل تهديداً وجودياً لدولة اسرائيل. ان اميركا ترامب ستلتزم اكثر من أي وقت مضى أمن اسرائيل وحمايتها وهي لن تسمح بأن تتعرض اسرائيل لأي خطر يهدد وجودها. ان الادارة الجديدة ستعمل على فرض عقوبات جديدة على ايران وستعمل على شل اقتصادها.

وسوريا! والحروب التي تدمر الحضارة والانسان هناك! اية سياسة سيعتمدها الرئيس الجديد لإحلال السلام فيها؟ لا يزال الوقت مبكراً لبلورة هذه السياسة. ولكن أصبح واضحاً ان القرار الرئيسي في سوريا ليس في يد الرئيس الاميركي، انه في يد الرئيس الروسي. ذلك أن أوباما كان قائداً ضعيفاً، وأنه التزم سياسة النأي بالنفس. وربما يعرف اوباما اليوم ما لم يعرفه من قبل وهو انه عندما يتنصل المرء من القيادة يأتي أمرؤ آخر ويقبض عليها. كذلك أصبح واضحا ان ترامب سيتبنى الموقف الروسي بدعم الرئيس الاسد والتركيز فقط على محاربة الارهاب.

ولبنان! ماذا عن لبنان؟ كل ما تقدم يقودنا الى الاعتقاد أن عهد ترامب سيكون عهد محاربة الارهاب. من هذه النافذة يجب ان تدخل الديبلوماسية اللبنانية لإقناع العالم بان لبنان كان الضحية الأولى للإرهاب في الشرق وبان لبنان اليوم هو النموذج الوحيد لمحاربة الارهاب. انه نموذج الحرية والتعددية الحضارية. لذلك ينبغي الحفاظ على هذا اللبنان ودعمه. والنافذة الثانية التي يجب ان تدخلها الدبلوماسية اللبنانية هي اقناع أميركا وروسيا بإيجاد مناطق آمنة داخل سوريا لعودة اللاجئين السوريين، كل اللاجئين، الى بلادهم. وهنا لا بد من القول إن الرئيس ترامب يدعم هذا التوجه.

نحن نريد ونصلي ان ينجح الرئيس الاميركي الجديد في الارتقاء بأميركا الى العظمة. شخص آخر يريد أيضا الوصول الى العظمة. انه فلاديمير بوتين. لكننا نود ان نقول لهما إن العظمة لا تكون في القوة العسكرية، ولا تكون في القوة الاقتصادية، بل تكون في قوة العدالة وقوة دعم حقوق الانسان، كل انسان ، في الحياة وفي السلام. يرتقي القادة الى العظمة عندما يصبح ألم الضعفاء ألمهم وعذاب المعذبين في الارض عذابهم.

من آلاف السنين الى يومنا هذا، تضج الارض بالحروب، ويصنع البشر أساطير البطولة حول القادة الذين يحكمون الارض بقوة القتل. ان العالم يحلم بقادة يلتزمون السلام. يجب ان نعلم اولادنا ان البطل هو من يُحيي لا من يُميت.