أستراليا، عفواً معالي الوزير داتون … من هو الأسترالي؟





أستراليا، عفواً معالي الوزير داتون

من هو الأسترالي؟

كأسترالي من خلفية لبنانية عربية مسلمة، ومن الجيل الأول اخترت الهجرة الى أستراليا وحاصل على الجنسية الأسترالية منذ أكثر من عقدين ونصف، حيث أدّيت قسم الولاء لأستراليا وإحترام قوانينها المرعية وعليّ من الواجبات ولي من الحقوق ما لغيري من المواطنين، شعرت وللوهلة الأولى ان قسمي لا قيمة له عندما سمعت تصريحات وزير الهجرة الفيدرالي بيتر دايتون فيما يتعلّق بفئة معينة من المهاجرين وإتهام رئيس الحكومة الأسبق مالكوم فريزر بأنها ارتكبت خطأً في توطين اللاجئين في سبعينات القرن الماضي، ليعود وتحت ضغط زعيم المعارضة الفيدرالية بيل شورتن في البرلمان ويخصّ الجالية اللبنانية الإسلامية، والطامة الكبرى أن الوزير أشار إلى الجيلين الثاني والثالث من أبناء تلك الجالية وقد استخدم الوزير بعض الإحصاءات التي تقول أنه من أصل 33 شخصاً وجهت لهم التهم بالإرهاب هناك 22 منهم من أصول لبنانية مسلمة.

لا نريد أن ندخل مع الوزير داتون في جدل حول الأرقام التي إستعان بها لتبرير موقفه وانه يريد أن يسمي الأشياء بأسمائها على الرغم من ان ارقامه تشكّل 0.01% من السكان المتحدرين من أصول لبنانية، علماً وأن الوزير نفسه وفي محاولة للتغطية على تصريحاته قال: "إن أغلبية الأسترالين اللبنانيين هم ملتزمين بالقانون ويعملون بجهد، ومواطنون جيدون لكن سمعتهم تتشوه بسبب هذه النسبة صغيرة".

إذن، هنا مربط الفرس، إذا كان الوزير يدرك هذه الحقيقة فلماذا لم يلجأ إلى دراسة أسباب خروج هذه النسبة الصغيرة على القوانين وعدم إلقاء التّهم جزافاً كما تقول جاسنتا كارول رئيس قسم مكافحة الإرهاب في معهد الدراسات الأستراتيجية الأسترالي: "على الرغم من أهمية الحقيقة، لأنه وبدون تلك الحقائق، فإن  السياسة والعواطف قد تقود إلى خطر تشويه مجتمعنا، وتضيف أن المسألة يجب ألا تكون على من تقع الملامة ولكن كيف نستمر في تعلّم الدروس من تجاربنا من أجل تحسين الوضع، هذا يمكن ويجب أن يكون شأناً برلمانياً لبرلمان يقوم بوظيفته، وبما أننا أوجدنا قضية خلافية، فإن على ممثلينا من كل الأطراف التركيز على كيفية حلّ هذه المشكلة". (سدني مورنيغ هيرالد 23/11/2016 ص19).

وفي نفس السياق يقول البروفيسور كلايف وليامز أحد القادة العسكريين القدامى والذي يعمل حالياً في الجامعة الوطنية الأسترالية قسم القانون العسكري والأمني: "إنها فكرة ليست بجيّدة أن ننقاش هذه الأمور على الملأ لأننا بحاجة إلى التعاون مع العائلات التي هي المرجع الأول إذا كان هناك قلق وخوف من انحراف  أي شاب". (سدني مورنيغ هيرالد 25/11/2016 صفحة 5)

يبدو أن الوزير داتون الذي يصّر على مواقفه لا يرى ضرورة لحلّ هذه المسألة، ولأسباب سياسية لم تكن المرة الأولى التي يدلي بها الوزير بهكذا تصريحات، فأثناء الحملة الإنتخابية الأخيرة اتّهم الوزير اللاجئين بالأمّية (قراءة وحساب) وأنهم يريدون أخذ وظائفنا! كما اتهمهم بأنهم يريدون الحصول على أموال الضمان الإجتماعي.

لكن هل هذه الأسباب السياسية والتنافس لاسترجاع الأصوات الإنتخابية التي هجرت حزب الأحرار إلى حزب أمة واحدة اليميني وغيره من الأحزاب الصغيرة تبرّر تصريحات الوزير؟

لا نرى ذلك مطلقاً، وإذا رأى الوزير داتون أنه يريد ركوب موجة دوانالد ترامب في أميركا أو بريكزت في بريطانيا، فإننا نقول له أن أستراليا لا تشبه أميركا ولا بريطانيا وعليه الإنتباه كما رئيس الوزراء مالكوم تيرنبول الذي لم يدين تصريحات الوزير ووصفه بالرؤوف، اذ أن زيادة الكراهية والتعصّب في المجتمع ليست من مصلحتنا كأستراليين، وعلينا التركيز على التفرقة بين الأفراد المجرمين وجاليتهم الإثنية، ويجب الخروج من عقلية "الأقلية والأكثرية" أن "نحن وهم" وهذا ما يتطلب من رئيس الوزراء إظهار قيادته كما قال البروفيسور جان هيوسن رئيس حزب الأحرار السابق الذي أدان تصريحات داتون قائلاً إنه متأكد من أن كل الحكومات ارتكبت نفس الخطأ ويمكن كذلك ان تكون الحكومة الحالية وهذا ما قد يظهر في المستقبل. (سدني مورنيغ هيرالد 19-20/11/2016 صفحة 6)

نحن نضم صوتنا إلى صوت هيوسن وندعو رئيس الوزراء لإظهار قيادته وأكثر من ذلك ندعوه إلى إقالة داتون من منصبه وألا يبقى رهينة لدى جناح اليمين الذي يهدده بالإنقلاب عليه وإخراجه من السلطة لأن ذلك أعاق الإصلاحات الضرورية للبلاد من ضريبية، ثقافية، بيئية، إجتماعية وإسكانية وغيرها… التي توقّعها المواطنون من رئيس الوزراء مالكوم تيرنبول عندما انقلب على سلفه طوني أبوت أيول عام 2015 قبل ان يعود وينقلب على نفسه وقناعته.

بما أن الوزير اعتمد على الأرقام والإحصاءات لدعم تصريحاته، نقول له وإنه حسب مؤسسة سكانلون فإن الغالبية العظمى من الأستراليين 83% يعتقدون أن التعددية الثقافثة جيدة لأستراليا، وإن أغلبية واضحة 59% يرون أن مستوى الهجرة الحالي مقبول أو حتى منخفض. (سدني مورنيغ هيرالد 22/11/2016 صفحة 16) وهنا نشير الى ان رئيس الوزراء كان والى ألأمس القريب يفاخر بالتعددية الثقافية الاسترالية فلماذا السكوت عن تصريحات الوزير داتون؟ بإختصار إنه المنصب الذي يتحكم به جناح اليمين في حزب ألأحرار والذي يعتبر داتون أحد صقوره.

أخيراً، نريد أن نسأل الوزير ما هو تعريفه للأسترالي ومن هو الأسترالي؟!

بالتأكيد أن الوزير يملك الأرقام والإحصاءات عن مكوّنات الشعب الأسترالي بمن فيهم سكان استراليا الأصليين والمهاجرين ونسبة المولودين في الخارج، او المولودين لأبوين مولودون في الخارج، أو المولودون لأبوين أحدهما مولود في الخارج.

إن النقاش الحالي يجب أن يشكل جرس أنذار لما ستؤول إليه الحال إذا ما تمّ تعديل المادة 18 س من قانون الذّم العنصري التي يريد تعديلها بعض نواب حزب الأحرار(جناح اليمين) تحت شعار حرية الرأي والتي شكّل رئيس الحكومة لجنة برلمانية لدراسة كيفية تعديل تلك المادة بعد أن كان قد استبعد ذلك كلياً في السابق!

وهنا احب ان اثبت ما كتبه أحد القراء (سيميون كلاسن من منطقة اليزبث باي) في صفحة الرأي في صحيفة (سدني مورننغ هيرالد  23/11/2016 ص 17)…فحسب مكتب الإحصاء الاسترالي فإنه في الربع الثاني من عام 2016 حتى حزيران فإن متوسط عدد نزلاء السجون الاسترالية بدوام كامل كان 38685 فعليه وحسب منطق الوزير داتون يجب فحص أثنية هؤلاء السجناء وأن نمنع كل من هو من تلك الخلفيات الاثنية من الهجرة الى أستراليا وان نعاقب الاخرين الموجودين حاليا  من اجل حماية المجتمع، لكن المشكلة اذا طبقنا منطق الوزير فإن ذلك سيؤدي الى الى فرض حضر على مجتمعنا بأكمله من أجل حماية هذا المجتمع.

عباس علي مراد

سدني

Email:[email protected]