طريقتان للتعامل مع التطرف الديني في أستراليا





طريقتان للتعامل مع التطرف الديني في أستراليا

مهند قصار

رغم قلة التهديدات والاعتداءات الإرهابية في المجتمع الأسترالي إلا أن الكثير من الأستراليين يشعرون بأن خطر حدوث أعمال إرهابية في أستراليا على أيدي شبان مسلمين هو أمر محتمل، بل حتمي كما يظن البعض. وقد كثر الحديث عن الإرهاب في أستراليا عقب نشأة كيان داعش، أو كما يسمي نفسه بالـ "الدولة الإسلامية"، وانضمام ما يزيد عن مئتي شاب أسترالي له ووجود المئات ممن يناصرونه في أستراليا. ومن آخر الحوادث التي تداولتها وسائل الإعلام وبكثرة هي محاولة خمسة شبان السفر إلى سورية للانضمام إلى صفوف داعش على متن قارب صغير يحملهم إلى أندونيسيا لتبدأ بعدها رحلتهم إلى "أرض الجهاد".

ولكن السؤال هو: "ضد من يجاهد هؤلاء الشبان؟" ماذا يعلمون عن سورية؟ هل يعلمون أن أكثر من 80% من السوريين مسلمون؟ هل يعلمون أنه لقرون من الزمن عاش المسلمون والمسيحيون واليهود في سوريا في صورة رائعة من التعايش والإخاء؟ ألم يخبرهم أحد بأنهم في سوريا إن قاتلوا الجيش السوري أو الجيش السوري الحر أو القوات الكردية أو أي مدني سوري فهم يرفعون سلاحهم في وجه مسلم؟ ألم يقرأ أحد منهم قول رسول الإسلام فيما روى البخاري، عنه صلى الله عليه وسلم " إذا التقَى المسلمانِ بسيفيهما فالقاتلُ والمقتولُ في النَّار "، فأي جهاد يُفضي إلى نار جهنم هذا؟!

نجد أن معظم الشبان المسلمين في أستراليا ممن انضموا إلى داعش أو يسعون له إما حديثو الإسلام، أو مسلمي الوالدين ولكنهم كانوا أشد البعد عن الإسلام وفي لحظة صحوة أرادوا العودة إلى الإسلام والتكفير عن ذنوبهم، وهنا يبدأ التوجه الصواب أو الخاطئ. فالفارق بين المسلم السوي والمسلم المتطرف هو مصدر علمه. فأولئك الذين يأخذون العلم ممن ينقلون قول الرسول الكريم في حديث حسن صحيح "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم"، يأخذون سبيل السلام والمحبة للناس والتعايش مع جميع الناس على اختلاف عقائدهم ومشاربهم. إلا أن الشبان الذين يأخذون تعاليم الإسلام من شخص يرى بأن كل من لا يشاركه أفكاره فهو كافر يستحق الموت، فسيكون مآله الإجرام باسم دين السلام.

في يوم من الأيام دار نقاش بين الشيخ العلامة محمد متولي الشعراوي وشاب متشدد، حيث سأله الشيخ: "لو قلت لك أن في ذلك البيت رجال ونساء يمارسون الدعارة بشكل دائم ويعصون الله، ماذا تفعل؟" فأجاب الشاب "سأذهب وأقتل كل من في البيت فهم يكفرون بالإسلام."

 ثم دار الحوار الفكري التالي:

الشعراوي: إلى أين يحب الله أن يذهب الناس بعد موتهم؟

الشاب: إلى الجنة.

الشعراوي: وإلى أين يحب الشيطان ذهابهم؟

الشاب: إلى نار جهنم.

الشعراوي: إن ذهبت وقتلت أولئك العاصين فإلى أين سيذهبون؟

الشاب: إلى جهنم.

الشعراوي: فمن تُعين أنت بذلك؟ الله أم الشيطان؟

فتلعثم الشاب وصمت.

مشكلتنا في أستراليا هي نقص الوعي الديني بين العديد من الشبان الذين يدّعون الإمامة، وأن صوت كل مغالٍ متشدد أعلى بكثير من أصوات المعتدلين الداعين إلى المحبة. فالشاب الذي وصل مفترق طرق ويود التوجيه قد لا يجد أمامه إلا شخصاً يدّعي العلم والإمامة ويُظهر منها فقط الصوت المرتفع في خطبه، وحدة كلامه، وتكفير كل من لا يوافقه الرأي، وتحريم كل عمل لا يروق له. وذلك لأن الأصوات المثقفة المعتدلة ليست ظاهرة للشبان إما لأنهم من جيل سابق، أو لأن الإنكليزية ليست لغتهم الأولى ولا يستطيعون إيصال فكرهم إلى الشباب الأسترالي. وأعتقد أن هذا حال مفتي أستراليا د. إبراهيم أبو محمد، ذو العلم الوفير والقدر العالي، إلا أنه بعيد عن جيل الشباب الأسترالي بسبب فارق العمر وعدم إتقانه للغة الإنكليزية.

وهنا بعض المشكلة، ومن هنا يمكن أن يكون الحل في ما يلي:

إما، قيام دار الإفتاء الأسترالية بالتعاون مع وزارة الهجرة وحماية الحدود باستقطاب أئمة مثقفين من أرجاء العالم الإسلامي تطبق عليهم صفات من يحصلون على فيزة خبرة أو فيزة عمل في أستراليا؛ حيث يتقنون اللغة الإنكليزية ولا يزيد عمرهم عن 50 عاماً، وتساعد دار الفتوى في تقييم شهاداتهم الأكاديمية ومسيرتهم الدينية. فبذلك نزيد من أعداد الشباب المثقفين دينياً، ونحارب فكر التطرف بالعلم والوعي.

أو من خلال تأسيس مؤسسة غير ربحية تُعنى بإرسال الشباب الأسترالي المسلم لدراسة علوم الشريعة في جامعات إسلامية معروفة بثقافة وعلم خريجيها، مثل جامعة الأزهر في مصر، والقرويين في المغرب، وعدد من جامعات ماليزيا وأندونيسيا وغيرها. وبذلك نؤسس لجيل أسترالي قد تعلم الإسلام على أيدي كبار العلماء في العالم الإسلامي وليس على شاشات الحاسوب دون تمييز الخبيث من الطيب، جيل يتكلم اللغة الإنكليزية وقادر على توضيح الصواب من الخطأ.

فالشاب الذي لم يبلغ من العمر 15 عاماً، فرهاد جابر، الذي قتل محاسب قسم شرطة باراماتا في مدينة سدني كيرتس شانغ، ليس إلا ضحية أولئك المجرمين الذين زرعوا في رأسه أن قتل شرطي أسترالي هو عمل بطولي يوصله إلى جنات الخلد! فلو وجد فرهاد شاباً يتكلم لغته ويتحدث بمنطق السلام والإسلام لما انتحر أمام قسم الشرطة.

فعلى المجتمع الأسترالي المسلم التحرك بسرعة نحو تثقيف شبابه ضد هذا التطرف الذي لن يجلب لهم إلا المزيد من الكراهية في المجتمع الأسترالي وخسارة المزيد من الشبان.