تربية الأولاد وتحصينهم من الانحراف والفساد





تربية الأولاد وتحصينهم من الانحراف والفساد

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى سائر إخوانه النبيين والمرسلين وءال كل وصَحب كل وسلم.

أما بعد، يقول ربّنا سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ".

فوقايةُ النفسِ والأهلِ من هلاك الآخرة تكونُ بتعلّمِ أمورِ الدين وتعليمِ الأهلِ ذلك، فإنَّ مَن لم يتعلمْ علمَ الدينِ يتخبّط في الجهل ولا يَعرف الحلالَ والحرام فيقع فيما لا يُرضي اللهَ تبارك وتعالى، ويقع فيما يضر به نفسه وغيره، وقد يؤدي به إلى خسارة الدنيا والآخرة، وما ذاكَ إلا لأنه أهملَ تعلّمَ علمِ الدِّين من أهل المعرفةِ الصادقين الثقات.

فمِن هنا كان دورُ الأهلِ في تنشئةِ أولادِهم تنشِئةً إسلاميّةً صحيحة. فحِرصُكَ على أمورِ معيشتِهم في الدُّنيا ليس أولى مِن حرصِك على ما ينفعُهم في الآخرة، فالأَولى أن تتابعَهم وأن تحثَّهم على ما ينفعُهم في الآخرة.

ولا شكَّ أنّ مِن علماءِ أهلِ السنّة والجماعة مَن ألّفَ وكتبَ الدُّرَرَ عن تربية الأولاد وعمّا يجبُ على وليِّ الصبيّ والصبية كأمرِهِمَا بالصلاة وهم أبناءُ سَبْعٍ، وتعليمِهما يجبُ كذا ويحرمُ كذا، والصدق والأمانة وحسن الخلق والصبر، وكل ما فيه إظهار لمحاسن الإسلام، قال عليه الصلاة والسلام:" مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سَبْع"، رواه أبو داود، وقال الحافظُ الفقيه ابنُ الجوزيِّ في كتابه" حفظُ العِلم" ( إنَّ الولدَ إن صارَ مُمَيِّـزًا فإنّ أولَ ما يُعلّمُ شىءٌ في العقيدة ثم شىءٌ في الطهارةِ ثم شىء من القرءان).

فيا أيّها الأبُ تابعْ ولَدَكَ على تعلُّمِ علمِ الدِّين وماذا أنهى منَ المتونِ الشّرْعيّةِ ليكونَ عندَه ميزانٌ شرعيّ، وكذا تعلم العلوم الدنيوية النافعة المفيدة. فأيُّ واحدٍ منَّا قبلَ أن يشتريَ لولدِه سَيارةً أو يأذنَ له بقيادةِ السَّيارة يتأكدُ من أنه يُتقِنُ القيادةَ جيّدًا خوفا عليه، حِرصًا عليه، فبالله عليكم أليسَ مِن بابِ أَولى أن تتأكدَ مِن ولدِك أنه عندَه الميزانُ الشَّرعيُّ حِرصًا على دِينه وءاخرته؟ ثم مَن يُصاحبُ ومعَ مَنْ يمشي ويسهرُ في الليالي؟ هل هؤلاء بِطانةُ خَيرٍ تدلُّهُ على الخير، تُذكِّرُه بالصلاة، تقولُ له: هذا حلالٌ وهذا حرام؟ أم هؤلاءِ رُفَقَاءُ السُّوءِ الذينَ يصحَبونَه إلى الحرامِ ويدفعونَ به نزولا لينزلَ وينزلَ وينزلَ حتى يصلَ إلى الحضيضِ فتستحِي بعدَ ذلك أن تقولَ هذا ولدِي.

احرص أيها الأب أن تراعي متابعة ولدك في التربية والتعليم ليكون عبدا صالحا، ءامرًا بالمعروف ناهيا عن المنكر، يفيد مجتمعه وأصحابه أينما حلّ، ويجرهم لخير وطنهم ودينهم وءاخرتهم، لا أن ينجر هو لما هو دمار لوطنه ودنياه وءاخرته.

فيا أيُّها الأبُ إن تابعتَ ولدَك ماذا يفعلُ على الإنترنت أو بماذا يستعملُه أو بماذا يستعملُ الهاتفَ أو مَن يصاحبُ أو ماذا يشاهدُ في الليلِ على الفضائيات، هذا ليس تعقيدًا ولا تخلُّفًا بل من بابِ حرصِك على أولادِك ذكورا وإناثا، هذا من باب عنايتِك بهم. وإلا لا أستبعدُ أنّ مِنَ الآباءِ اليومَ من تبكيَ قلوبُهم قبلَ أن تظهرَ الدُّموعُ في أعيُنِهم حُزنًا على ما ءالَتْ إليه أوضاعُ بعضِ أولادِهم منَ الانحرافِ والضّيَاع، ولكنْ طالما أنفاسُك في صدرِك لا تَملّ ولا تخجلْ، ولا تلتفتْ إلى كلامِ الجهالِ الذين لا فَهم لهم ولا عبرةَ بكلامهم، اثبُت على النصيحةِ والمتابعةِ والتربية والعناية بمجالسِ علمِ الدينِ لكَ ولأولادِك وأهلِ بيتك.

ولنتفكر تفكُّرَ العقلاء الحكماء، الذين يراقبون أنفسهم، ويتذكرون أنه لابد من لحظة الموت ومفارقة الحياة، لنتفكر بكلام نفيسٍ قاله الإمام ابن الجوزي ناصحا ولدَه:" ومَن تفكَّرَ في الدُّنيا قبلَ أن يوجَدَ، رأى مدةً طويلةً، فإذا تفكَّر فيها بعدَ أن يَخْرُجَ منها رأى مدّةً طويلة، وعلم أن اللُّبثَ فى القبورِ طويلٌ، فإذا تفكّرَ فى يومِ القيامةِ عَلِمَ أنه خمسونَ ألفَ سنةً، فإذا تفكّر فى اللُبثِ فى الجنّةِ أو النارِ عَلِمَ أنه لا نهايةَ له. فإذا عادَ إلى النظر فى مقدارِ بقائه فى الدنيا فَرَضْنا ستينَ سنةً مثلاً، فإنه يَمضِى منها ثلاثون سنةً فى النوم، ونحوٌ مِن خمسَ عشرَةَ فى الصِّبَى، فإذا حسَب الباقيَ كان أكثرُهُ الشهَواتِ والمطاعِمَ والمكاسب، فإذا خلَصَ ما للآخرة وجَدَ فيه مِنَ الرياء والغفلةِ كثيرًا، فبماذا تُشترى الحياةُ الأبديةُ وإنما الثمنُ هذه الساعاتُ؟"

نسأل الله تعالى السلامة، والحمد لله أولا وءاخرا، والله تعالى أعلم وأحكم

المكتب الإعلامي في جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية