إجهاض تحايل إسرائيلي





إجهاض تحايل إسرائيلي

2015-06-13

كلوفيس مقصود

جاء رفض المحكمة الأميركية العليا، في 8 يونيو/حزيران الجاري، طلب عائلة آري زيبوتوتفسكي، المولود في القدس، تسجيل مكان ولادته في القدس – إسرائيل، صفعة حاسمة لأنصار إسرائيل في الكونغرس وغيره الذين قاموا بحملة لتثبيت الولادة بهذا الشكل. وبذلك، أتى قرار المحكمة، بغالبية 6 ضد 3، رداً على الحملة التي كانت الغاية منها تمرير وضع القدس عاصمة لإسرائيل، فالمولود من اليهود الأميركيين في القدس يسجل بأنه من مواليد المدينة من دون ذكر إسرائيل، حسب المعمول به في الإدارات الأميركية التي تعتبر القدس مدينة متنازعاً عليها، ويبَت بأمرها في مفاوضات التسوية.

كانت تلك المحاولة بمثابة اعتداء على صلاحية الرئيس المسؤول الوحيد دستورياً عن كل القضايا الخارجية، كما حسم حكم المحكمة التي تمثل المرجع القضائي الأخير في الولايات المتحدة أن القدس غير معترف بها عاصمة لإسرائيل، وأهميته أنه قاطع، ويحول دون أي إعادة نظر في الموضوع، فكان القرار صدمة لجماعات إسرائيل، لأن الرفض صار قانونياً، فضلاً عن أنه مرفوض دولياً، بموجب قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. وقد كتبت جريدة هآرتس الإسرائيلية أن "المحكمة الأميركية تبطل وتلغي ما تدّعيه الحكومات الإسرائيلية زوراً أن القدس عاصمة إسرائيل". وهذا تأكيد أن المحكمة وضعت، بشكل قاطع، أن ولادة يهودي أميركي في القدس لا تمنحه الاعتراف بإسرائيليته، إلى أن تستقيم وضعية القدس القانونية، بحيث تبقى معلقة للبت بأمرها عاصمة مشتركة، وليست عاصمة إسرائيل. وكما أن المستوطنات غير شرعية صار أيضاً الزعم باحتكار السيادة على القدس غير شرعي، بمعنى أن قرار المحكمة أوضح، بشكل لا جدال فيه، أن ولادة يهودي أميركي في القدس لا تمنحه هوية إسرائيلية بمنظار القانون الأميركي، كما بمنظار المجتمع الدولي.

حاول اللوبي الإسرائيلي التحايل، لتأكيد استئثار بالقدس، وحرمان الشعب الفلسطيني، بشكل نهائي، من دولته بعاصمتها القدس الشرقية، وتلقت محاولة إسرائيل تمرير كل يهودي أميركي ولد في القدس ضربة من أعلى سلطة قضائية في الولايات المتحدة، وقد اختارت "نيويورك تايمز" عنوان افتتاحيتها بشأن هذا الموضوع "باسبور القدس"، وأيدت قرار المحكمة الذي ثبّت حصرية صلاحية الرئيس الأميركي في هذا الخصوص، بحيث صار الأمر محسوماً. والمعلوم أن الرئيس السابق، جورج بوش، كان قد اعتبر أن الكونغرس أراد تقويض وضع القدس الراهن المعلّق، فكون القدس الشرقية عربية فلسطينية، من شأنه أن يحول دون اعتبارها عاصمة لأيٍّ من طرفي النزاع.

لهذا السبب، جاءت الدعوى بمثابة تهريب للاعتراف بإسرائيلية القدس، من خلال ولادة آري المذكور فيها، بقرار قضائي، بحيث يصبح أمراً واقعاً لا جدال فيه. بحسمه الموضوع، جاء قرار المحكمة ليحمي صلاحية الرئيس الأميركي من التفاف اللوبي الإسرائيلي، وبعض أعضاء الكونغرس، توظيف هذه الدعوى، لترسيخ إسرائيلية القدس التي لم يتقرر مصيرها بعد.

جرّبت آليات الضغط الإسرائيلية تحدّي الرئيس الأميركي وصلاحيته الثابتة دستورياً، وبكل صفاقة، لأن هذا الموضوع يتعلق بالسياسة الخارجية، بغية القفز فوق ثوابتها بشأن القدس. وبذلك، يشكل ما جاءت به المحكمة رسالة إلى إسرائيل، مفادها بأن الأخيرة تحتل القدس، وبالتالي، لا يجوز لها اعتبار المدينة عاصمة لها. وتزداد الأهمية في أن هذا القرار يأتي بالتزامن مع حركة مقاطعة منتجات المستوطنات، وبما يشير إلى أن القضية الفلسطينية يستحيل قفلها، فضلاً عن شطبها، فهي تبقى البوصلة لإعادة فلسطين العربية إلى كنف كل قطاعات شعبها في الضفة وغزة والقدس والشتات.

المهم أن ندرك، جميعنا، أهمية عدم الاستقالة من التزام الأمة العربية وشعبها بمسؤولية تحرير كل أقطارها واستعادة وحدتها، حتى زوال الشطط الحالي، واستعادة مشروع النهضة، ونبذ العنف العبثي والانقسامات الطائفية المدمرة، واستعادة القيم التي تؤكد حرمة الإنسان وحقوقه. وقرار المحكمة الأميركية العليا تصويب لانحراف صارخ، وكانت حملة مقاطعة منتجات المستوطنات دليلاً واضح الرؤية في توعية المجتمع العليا، فهذه الحركة الشبابية ساهمت في توعية المجتمع الدولي على الغبن السائد بحق فلسطين. ولعل الوقت قد حان لاسترجاع نجاعة الالتزام بحقوق الشعب الفلسطيني الإنسانية والوطنية وحريته.

شكراً لقرار المحكمة الأميركية العليا لتكذيبها مزاعم، وشكراً لحراك الشباب العالمي لمقاطعة المستوطنات.

===============================

المؤتمر القومي العربي والرد على انفلات الغرائز

 كلوفيس مقصود

السبت 20/06/2015

يجيء انتخاب الدكتور زياد حافظ أميناً عاماً للمؤتمر القومي العربي وسط حالة التمزق العربي السائدة، وكأنه بمثابة تصميم على وجوب التأكيد على الفكر القومي العربي، رداً حاسماً ومدروساً على التفكك والشطط والجنون الغرائزي المتفشي في أرجاء الأمة. فالاقتتال العبثي الحاصل في عدد من أقطار الأمة، كان لا مفر من أن يستولد صحوةً، أو عودة إلى الحضن القومي، ولو على سبيل التحدي، لعله يكون بمثابة مبادرة لاسترجاع شرعية المؤتمر القومي العربي ونجاعته، كمساهمة في استئناف عملية تصويب البوصلة. فمثل هذه العودة توفر الآلية لاستعادة عناصر مسيرة العمل القومي، باتجاه التأكيد على أن العروبة مواطنة، لا فرق تحت سقفها بين الطوائف والمذاهب والولاءات الضيقة المتزمتة.

ما تعنيه شعوبنا العربية في كثير من أقطاره يكاد يجهض كل الإنجازات الفكرية والثقافية والأدبية والحضارية، التي راكمتها المسيرة القومية، كما عطاءات أمتنا، في المجالات الإنسانية الأخرى الفنية والعلمية والسياسية والإنمائية، فالعروبة مواطنة تزيل أولوية العرقية والطائفية والقبلية، وغيرها من الولاءات المحكومة بالتفسخ والتفريق، بل بالنزوع إلى إلغاء الآخر.

الشمولية بما هي فكر مطلق فردي فئوي كانت في جذور الأزمات التي تفاقمت في السنوات الأخيرة. لذلك، يأتي استئناف النشاط الحيوي للمؤتمر القومي العربي خطوة واعدة باتجاه العودة إلى طريق النهوض القومي، فما نراه ونعانيه اليوم من ظلامية وتشتت عميق واستقالةٍ سائدة من الأمل، يمكن البدء في الرد عليه، من خلال العمل القومي العربي، الذي كان هذا المؤتمر أحد تعبيراته المميزة، فمن ميزاته أنه كان ساحة مفتوحة على النقد الذاتي والحوار، كما على المجابهة المستنيرة مع تحديات صعبة كثيرة واجهت الأمة.

كما أن المؤتمر القومي عُرف في تاريخه بأنه أحد جوانب الخطاب القومي، الذي حرص على توفير الأطر التي من شأنها توسيع الأفق القومي بما تستوجبه المتغيرات، مع التأكيد على الثوابت القومية، فإذا كانت الحاجة لمثل هذا الدور ضرورية باستمرار، فإنها، الآن، ماسة في ظلّ الأوضاع السائدة وحالات الاقتتال العبثي، وما تسببت به من تدمير البشر والتاريخ والدول.

لذلك، لا بد للمؤتمر القومي العربي من أن يتحمل مسؤوليته التاريخية في اللحظة الراهنة، ويتصدّى للمناخات السائدة، خصوصاً في جانبها المتشائم، من أجل وقف التدهور المريع، شرطاً لبدء عملية الترميم والتصويب. ومن هنا، فإن تمكين المؤتمر وتعزيز دوره المستنير يكون بإحياء المؤسسات القومية وتنشيطها، مثل مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وبالتالي، تعميم ما أنتجته، وكذلك مؤسسة الدراسات الفلسطينية، كون فلسطين وضرورة تحريرها بمثابة بوصلة رئيسية للعمل القومي.

ولعلّ تجديد العمل القومي من خلال هذا المؤتمر يكون بادرة واعدة في تحريك مؤسسات وفعاليات مدنية وسياسية، لتأسيس خطاب متقدم، يصلح لأن يكون بمثابة الدرع الواقية ضد عصبيات جاهلية مدمرة.

من هنا، يأتي استئناف نشاط المؤتمر القومي في لحظة مفصلية، للتأكيد على أن العروبة هي الواقعية الأصيلة التي تضمن الهوية، وتصحح مفهوم الولاء المستقيم الذي يكفل إقامة السد المنيع في وجه هذا الزحف الظلامي المريع، ووضع حد لحالة التخريب المنفلتة من عقالها. فالأجيال الجديدة لا بد من جذبها لمنارة عروبة حضارية مستنيرة، تمكّن هذه الأجيال من بناء المناعة الواقية مما نراه سائداً في وقتنا الراهن. فهذه من أهم مسؤوليات المؤسسات القومية، مثل المؤتمر القومي العربي الذي نتوسم بأمينه العام الجديد ريادة هذا الدور، في هذه اللحظة التاريخية الدقيقة المرهون بها المصير العربي، وإلى أمد طويل.