فريزر المثير للجدل





فريزر المثير للجدل

لا شك ان مالكوم فريزر الذي وافته المنية عن عمر ناهز 84 عاماً(1930-1915)، كان من ابرز السياسيين الأستراليين في القرن العشرين وأكثرهم إثارة للجدل منذ دخوله المعترك السياسي وحتى بعد خروجه من العمل السياسي ليتفرغ للعمل الوطني والإنساني.

كيف سيتذكّر الأستراليون فريزر؟

هناك محطات رئيسية لا يمكن المرور عليها مرور الكرام، سواء كانت قضايا تتعلق بالسياسة الداخلية او الحزبية او الخارجية وحقوق الإنسان والمناخ وغيرها.

سياسياً، انتخب فريزر نائباً في العام 1955 وهو في عمر 25 وتدرج في الحزب حتى تولى الزعامة في اذار من العام 1975ومن ثم الى رئاسة الوزراء في تشرين ثاني من نفس العام ليصبح رئيس الوزراء الثاني والعشرين لأستراليا من العام 1975 - 1983، رافق وصوله الى منصب رئاسة الحكومة اخطر ازمة دستورية عرفتها البلاد في تاريخها السياسي، عندما استغل فريزر تحكمه بالأكثرية في مجلس الشيوخ لمنع تمويل حكومة غوف ويتلم بالأموال لإدارة البلاد ودفع معاشات موظفي القطاع العام وكان ذلك في 11 تشرين الثاني 1975، وقد كلّف الحاكم العام وقتذاك جون كير فريزر بتشكيل حكومة تصريف اعمال بعد اقالة حكومة غوف ويتلم العمالية، وكان تكليف فريزر تم بشروط وافق عليها فريزر منها تأمين المصادر المالية للحكومة والدعوة الى انتخابات لمجلسي النواب والشيوخ وعدم اتخاذ اية قرارات قبل الإنتخابات وعدم فتح اي تحقيق بسياسة حكومة ويتلم.

سار فريزر على نهج سلفه الأحراري هارولد هولت الذي انهى سياسة استراليا البيضاء فضاعف اعداد المهاجرين وكان الأب الروحي للتعددية الثقافية وفي العام 1977 اسس اذاعة البث الخاص (اس بي اس) وفي العام 1979 اسس المجلس الإستشاري لقضايا اللاجئين واستوعبت حكومة فريزر العديد من لاجئي القوارب من فيتنام (56000)، وفي العام 1981 اسس فريزر مفوضية حقوق الإنسان وكان من دعاة اعطاء السكان الأصليين حقوقهم في الأرض.

اقتصادياً، فريزر الذي كان محافظاً تقليدياً، عارض تحرير الإقتصاد بعكس المحافظين الجدد ، وفي عهده ارتفعت نسبة التضخم والعجز في الميزانية ونسبة البطالة وتباطأ نمو الإقتصاد خصوصاً بين عامي 1977 و 1978، وتجاوز انفاق الحكومة في تلك الفترة اكثر مما انفقته حكومة سلفه غوف ويتلم، حتى ان بعض سياسي حزب الأحرار يعتبرون فترة حكم فريزر الفرصة الضائعة، فمثلا النائب الأحراري السابق روس كاميرون وصف فترة حكم فريزر بسنوات استراليا الثماني الضائعة وكانت تفتقر الى التماسك المنطقي (س م ه 21-22-03/2015 ص 8 الملف الخاص عن فريزر).

وفي السياسة الخارجية، وقبل وصوله الى رئاسة الحكومة وعندما كان وزيراً للدفاع بين عامي 1966- 1971 كان من أكثر المؤيدين للدخول في حرب فيتنام، ودعى الى الخدمة العسكرية الإجبارية من اجل دعم تلك المعركة، وعندما تولى رئاسة الحكومة جعل اتفاقية الانترس (تضم الى جانب استراليا كلاً من اميركا نيوزيلد) والتهديد السوفياتي على رأس اولويات سياسته الخارجية، حيث كان له موقف معارض لسياسة التمييز العنصري في جنوب افريقيا وروديسيا ودعى الى حكم الأكثرية من السكان السود، لأن مبادئه تعارض العنصرية ومن اجل وضع حد للدعاية السوفياتية في العالم الثالث.

والمعلوم ان فريزر بعد ان اعتزل المعترك السياسي، كانت له مواقف مختلفة جذرياً خصوصاً بعد انتهاء الحرب الباردة واعتبر ان اتفاقية الانزس لم تعد في مصلحة استراليا وقد تضطرنا لدخول حروب اميركا في الشرق الأوسط وشبهها بالتعويذة السحرية. وفي كتابه الأخير (الحلف الخطر) اعتبر ان ميزان القوى في آسيا في القرن الحادي والعشرين يتطلب مقاربة مستقلة بعيدة عن سياسة الولايات المتحدة وكان فريزر قد قال ما معناه ان كل زعيم سياسي يُعتقد انه يسيئ او اساء للولايات المتحدة لا يمكن ان يفوز باية انتخابات، واعتبرفريزر ان قاعدة المراقبة في باين  كاب تضرّ بسمعة استراليا في المنطقة، وقبل اسبوعين من وفاته ارسل تغريدة لمتظاهرين معارضين لبنيامين نتنياهو قال فيها بأن ليس كل الاسرائليين خطيرين مثل نتنياهو.

وحول موضوع التغييرات المناخية كان له موقف حاسم من رئيس الوزراء طوني ابوت عندما عارض تأييد توقيع اتفاقية الإتجار بالكربون للحد من الإنبعاث الحراري عندما كان زعيماً للمعارضة واعتزل العمل الحزبي  ليعود ويقدم استقالته من الحزب كليا العام 2010، وكان فريزر اثناء توليه السلطة قد ادرج الشعب المرجانية على لائحة التراث العالمي عام 1981.

بالعودة الى استقالته من الحزب عام 2010 عزى فريزر السبب الى ان الحزب تغّير ولم يعد حزباً ليبيرالياً بل أصبح حزباً محافظاً ينجرف الى اقصى اليمين معتبراً ان الأفكار والأفراد أكثر أهمية من العقيدة الحزبية، وهذا ما ظهر جلياً في مواقفه في سنواته الأخيرة، حيث انتقد وبشدة سياسية الحزبين العمال والأحرار تجاه طالبيي اللجوء، وكان فريزر عدو لدود للعنصرية في كل مكان وزمان، وعمل على محاربة الفقر حول العالم وكان فريزر قد اسس عام1987 المؤسسة الخيرية (كير استراليا) التي تقدم المساعدات لضحايا الكوارث الطبيعية والحروب.

والمعروف ان علاقة شخصية وطيدة نشأت بين الخصمين اللدودين السابقين غوف ويتلم ومالكوم فريزر اللذين كانا يقضيان ساعات طوال في الحوار ومناقشة مجمل قضايا الساعة،وفي عام 1991عملا معاً من اجل منع  احتكار القطاع الاعلامي وتغيير القوانين المتعلقة بذلك، وكان ويتلم قد اعترف قبل وفاته السنة الماضية 2014 ان فريزر قد اخذ مكانه كالعدو رقم واحد للسياسة الشيطانية لليمين الأسترالي.

هذا هو فريزر، في بعض مواقفه وحياته السياسية والإنسانية المثيرة للجدل، التي بدأت مع حزب الأحرار المحافظ والمؤيد بدون تحفّظ للحلف مع اميركا، لينتهي به المطاف في مصاف اكبر المدافعين عن حقوق الإنسان والفقراء ومعارضة الحلف مع الولايات المتحدة  واتبع منهج  القراءة الواقعية للتحولات السياسية والإقتصادية حول العالم، وما يخص استراليا منها خصوصاً في منطقة الباسيفيك وجنوب شرق اسيا.

عباس علي مراد        

سدني

Email:[email protected]