ويتلم الرجل الذي غيّر وجه استراليا





ويتلم الرجل الذي غيّر وجه استراليا

هناك العديد من الأشخاص يتسلمون مناصب ويأتي التاريخ على ذكرهم لا لإنجازات حققوها بل لأنهم شغلوا هذا المنصب او ذاك. غوف ويتلم رجل مختلف بكل المقاييس والمعايير، فكان الحدث وصانع الحدث، وكان كاتباً للتاريخ وصانعه أيضاً، في بلد كان على الخارطة السياسية خارج التأثير ويعيش في ظل الأمبراطورية الاميركية وقبلها البريطانية.

ويتلم الذي بدأ مشواره مع التغيير قبل ان يتسلم السلطة، لم يرق له الوضع داخل حزب العمال فبدأ تحدياً من الداخل، وفي 15 شباط 1966، شن هجوماً عنيفاً على قادة مراكز القوى داخل الحزب خصوصاً اتحاد نقابات العمال قائلاً: "ان مستقبل حزب العمال على المستوى البعيد محكوم بالفشل... ان مجموعة المتطرفين الذين يتحكمون بالحزب يخرقون نظام الحزب وقوانينه ويذلّون الكتلة النيابية، يتجاهلون القاعدة الحزبية... ويجب وضع حد لهم" سيدني مورنيغ هيرالد 25-26/10/2014 ص 30 قسم ما وراء الأخبار.

هذا الأمر اثار حفيظة خصومه داخل الحزب وحاولوا التخلص منه وابعاده ولكن محاولاتهم باءت بالفشل بعد ان اخذت شعبيته ترتفع داخل الحزب بسبب شجاعته ومجاهرته بوضع حدا لهذا الوضع ولدى الرأي العام الذي عمل على تشكيله بعيداً عن ردات الفعل على استطلاعات الرأي. هذا التحوّل جعل حزب العمال اكثر ديمقراطية  وادى الى فوز  الحزب برئاسة غوف ويتلم في انتخابات العام 1972 والتي رفع فيها شعاراً لحملته الإنتخابية (حان الوقت) بعد ان امضى حزب العمال 23 عاماً في تيه المعارضة.

يصف الكاتب في صحيفة سدني مورنيغ هيرالد داميان مورفي غوف ويتلم ونائبة لانس برنارد بأنهما الرجلان اللذان قادا عالماً من التغيير في 13 يوماً، حتى انه يذهب في مقالته (23/10/2014 ص 11) الى حد مقارنة حكومة ويتلم بالثورة الروسية في تشرين اول عام 1917 والتي هزّت العالم في عشرة أيام.

حتى انتخاب ويتلم، كانت السياسات الاجتماعية، المالية، الثقافية، التربوية والإقتصادية في استرليا تسير بنمط محافظ وثابت، لكن بعد 15 كانون اول عام 1972 كانت البداية التي غيّرت وجه استراليا على رغم قصر الفترة الزمنية (3 سنوات) التي امضاها ويتلم في الحكم مع العلم انه اضطر الى حلّ مجلسي النواب والشيوخ والذهاب الى انتخابات مبكرة عام 1974 لعدم تمكنه من تمرير مشاريع القوانين ليعود ويربح تلك الانتخابات قبل ان يتأزّم الوضع مجدداً في العام 1975 بعد امتناع مجلس الشيوخ اقرار التمويل المالي للحكومة بسبب لعبة خبيثة من المعارضة برئاسة مالكوم فرايزر، حيث لم تتمكن الحكومة من دفع معاشات موظفي القطاع العام وانتهت تلك الأزمة بإقالة ويتلم من قبل الحاكم العام جون كير والذي كان قد عيّنه ويتلم في هذا المنصب، علماً بأن ويتلم كان ينوي لمرة ثانية حلّ مجلسي البرلمان والذهاب الى انتخابات مبكرة، لكن كير وفرايزر كانا قد اتفقا على طرد الحكومة.

جرت الإنتخابات بعد ذلك وفاز حزب الأحرار برئاسة مالكوم فرايزر، لكنه لم يستطع وقف ما كان بدأه ويتلم من اصلاحات والتي ما زالت تاثيراتها واضحة حتى الان ، و نذكر منها إلغاء الرسوم الجامعية، تطبيق اول نظام صحي عام مجاني كان يعرف انذاك ب (ميدي بنك)، بدأ مشوار المصالحة مع السكان الأصليين والإعتراف بحقوقهم، الغى الخدمة العسكرية، خفّض سن الإقتراع الى 18 عاماً، غيّر النشيد الوطني الأسترالي، أنهى سياسة استراليا البيضاء والتي كان بدأ بتفكيكها الأحراري هارولد هولت، واعتبر ويتلم ان استراليا مجتمعاً متعدد الثقافات والتي اعتبرها افضل انجازات استراليا، المساواة في الأجور بين الرجال والنساء، الغى الضرائب على حبوب منع الحمل، وخارجياً اعترف بالصين الشعبية التي زارها واقام معها علاقات دبلوماسية، أعاد الجنود الاستراليين الذين كانوا يحاربون في فيتنام، فرض عقوبات على حكومة جنوب افريقيا العنصرية وحاول انتهاج سياسة خارجية مستقلة وغيرها الكثير من الإنجازات التي غيّرت وجه استراليا.

هنا لا بد من الإشارة الى احد اهم انجازاته بعد اقالته وهي دعوته محازبيه ومؤيديه للهدوء والإمتثال للقانون قائلاً لهم: ان التحدّي يكون في صناديق الإقتراع، مع العلم انه لو لم يتخذ هذا الموقف كانت الأمور معرّضة للإنفلاش والفوضى وحتى العنف أيضاً، كما قال بيتر هارتشر محرر الشؤون الاسترالية في صحيفة سدني مورنيغ هيرالد.

ما حققه غوف ويتلم في حياته رغم اختلاف الآراء حوله، اختلف بعد رحيله، حيث توحدت الأحزاب السياسية بكافة أطيافها في نعيه، وكان التناغم واضحاً في الكلمات التي ألقاها السياسيون في البرلمان والتي امتدحت الرجل وانجازاته والرؤية التي كان يتمتّع بها بالإضافة الى الشجاعة والمصداقية، ولم يشذّ عن القاعدة الا اثنين من الإعلاميين المحافظين وهما الن جونز واندرو بولط، جونز انتقد ايقونة حزب العمال بعد دقائق من وفاته حين قال ان ويتلم قد دمّر الإقتصاد لغياب اي تحكّم من قبل رئيس الحكومة بمسار الأمور، أما بولط والذي وجّه انتقاداً قوياً لويتلم قائلاً: ويتلم استكشف الفجوة بين المظهر وما يمكن القيام به لكنه وقع في الهوّة (س م ه 22/10/2014 ).

على الرغم من هذين الصوتين اللذين شذّا، فإنه وبشكل عام لم تصل الأمور الى ما وصلت اليه عند وفاة رئيسة وزراء بريطانيا السابقة  مارغريت تاتشر والتي انقسمت الآراء حول سياستها حتى بعد مماتها كما قال الكاتب مايكل كوزيول (س م ه 23/10/2014 ص 10)، وهذا ما اثبتته آراء القراء في الصحف، ايضاً ستقيم الحكومة جنازة رسمية لويتلم، كذلك اعلنت حكومة مقاطعة العاصمة الفيدرالية عن انها سوف تطلق اسم غوف ويتلم على احد الأحياء الجديدة فيها، كذلك اعلنت مفوضية الانتخابات الاسترالية ان اسم ويتلم سوف يطلق على احدى الدوائر الإنتخابية.

اخيراً، كان ملفتاً ما قاله خصمه وغريمة السياسي السابق والذي تحوّل الى صديق حميم له رئيس الوزراء الأسبق مالكوم فرايزر: " اذا كان لدى ويتلم خطأً فهو محاولته انه كان يريد فعل الكثير في فترة وجيزة".

عباس علي مراد

Email:[email protected]