لبنان وأزمة الاستحقاقات





لبنان وأزمة الاستحقاقات

دخل استحقاق رئاسة الجمهورية اللبنانية المهلة الدستورية اواخر الشهر الماضي، وهي مدة الشهرين التي يمكن ان ينعقد خلالها مجلس النواب، من اجل انتخاب رئيس جديد قبل نهاية ولاية الرئيس الحالي.

كما اصبح معروف من خلال التجارب، فإن اي استحقاق محلي لبناني سواء كانت الانتخابات النيابية او تشكيل الحكومات وبما فيها انتخابات رئاسة الجمهورية، وحتى وظائف الدرجة الأولى تنتظر كلمة السر الدولية والاقليمية حيث تحرص تلك القوى على تحقيق اكبر قدر ممكن من اجنداتها والتي لها اولوياتها ومصالحها قبل الافراج عن الحل.

اما الحراك الداخلي وعلى كافة المستويات ،فيأتي من ضمن عملية ملء الفراغ واللعب في الوقت الضائع، وشغل الرأي العام عما يحاك حتى يحين موعد الاخراج الذي يجيده اللاعبون المحليون.

بنظرة الى تاريخ الاستحقاق الاكثر حداثة نرى كيف تم التمديد لمجلس النواب الحالي، وكيف وبقدرة قادر تم تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام بعد ان ظلت عالقة قرابة 11 شهراً من تاريخ التكليف حتى التأليف والاتفاق على البيان الوزاري في اخر لحظة!

اذن، الحراك الداخلي بدأ قبل المهلة الدستورية عندما اطلق البطرك الراعي المذكرة الوطنية في 9 شباط الماضي، والتي تضمنت اشارات عدة الى الرئيس القوي والذي يملك صفة تمثيلية في طائفته  قبل ان يعود الاسبوع الماضي ويطالب بأستبعاد المرشيحن من 8 و14 اذار مما يعني ضمنياً تأييده لرئيس توافقي  هذا التصريح الذي اثار نقمة المرشحين المنتمين الى المجموعتين، ليعود البطرك وينفي ما نسب اليه عندما قال مشدداً  "لن ارشح احداً، ولن أستبعد احداً، ولن أسمي احداً لأنني احترم المجلس النيابي". ومع دخول المهلة  بادر الرئيس بري الى تشكيل لجنة تواصل من كتلة التنمية والتحرير مؤلفة من النواب ياسين جابر، ميشال موسى وعلى عسيران للإطلاع على مواقف القوى السياسية والغير سياسية من اجل الحصول على نوع من الإجماع قبل الدعوة لجلسة انتخاب الرئيس العتيد كما قال النائب ياسين جابر وقد انهت اللجنة لقاءاتها في 04/04/2014 ولم يصدر اي بيان عن النتائج.

لم يقتصر الحراك على عمل اللجنة، لكن بدأت تظهر بعض المواقف والكل بدأ يدلو بدلوه عن صفات الرئيس القوي او استعادة الدور المسيحي، والرئيس الذي يملك صفة تمثيلية في الشارع المسيحي بالاضافة الى بعض رسائل الغزل السياسي، التطمينات العابرة للخصومات التقليدية بين 8 و 14 آذار، القوات اللبنانية باتجاه حزب الله والتيار الوطني الحر باتجاه تيار المستقبل، ولم يقتصر الامر على ذلك فكانت رسائل وتحذيرات اهمها التي اطلقها الزعيم الدرزي وليد جنبلاظ  محذراً من  وصول بعض الشخصيات (عون، جعجع وقهوجي) الى سدة الرئاسة لان ذلك قد يتسبب بحرب اهلية جديدة.

وكان الملفت اعلان قائد القوات اللبنانية الدكتورسمير جعجع اعلان ترشيحه باسم حزب القوات اللبنانية ،على امل ان تتبنى قوى 14 آذار هذا الترشيح في مناورة سياسية لها ابعادها المحلية والاقليمية من خلال زيادة الغموض وعدم كشف الاوراق قبل الوصول الى الاستحقاق وجوجلة الاسماء حيث هناك اسماء من داخل هذا الفريق لها حظوظ اكثر لأن وصول جعجع الى سدة الرئاسة دونها عقبات سياسية وحتى قانونية وبرز ذلك من خلال ردود الفعل حتى من داخل فريقه السياسي.

العماد ميسال عون والطامح الى رئاسة الجمهورية  يتريث ويعمل خلف الكواليس على تذليل العقبات حتى يكون مرشح الوفاق، الرئيس امين الجميل يراقب ويسافر ويكثّف اتصالاته داخليا وخارجياً، النائب سليمان فرنجية اعلن تأييده لحليفه النائب عون، واعتبر نفسه مرشح قوى الثامن من اذار في حال تراجع حظوظ العماد عون، هذا عن المرشحين المعلومين، اما المرشحين المجهولين المعروفين او ما يتعارف عليه بالمرشح التوافقي والذي يملكون حظوظاً اكثر للوصول الى سدة الرئاسة فمنهم من يكون بحاجة الى تعديل الدستور وخصوصاً المادة 49 والتي تمنع ترشح موظفي الدرجة الاولى والقضاة الا بعد سنتين على ترك وظائفهم، وتشمل هذه الفئة كل من قائد الجيش العماد جون قهوجي ورياض سلامة حاكم مصرف لبنان ومرشح التمديد او التجديد الرئيس ميشال سليمان، هذا مع العلم ان هذا المادة استبيحت من كثرة تعديلها ولمرة واحدة  منها (التمديد للرئيس الياس الهراوي تشرين اول عام 1995 ثم انتخاب الرئيس اميل لحود عام 1998 والتمديد له عام 2004  وانتخاب الرئيس ميشال سليمان 25 ايار عام 2008) ذلك لأن السياسة تتقدم على الدستور والذي اصبح ديكوراً لأن العرف يتقدم عليه دائماً واذا ما اخذنا الدستور بعين الاعتبار فكل فريق يملك العدة القانونية  من المختصين بالقانون الستوري او مفتي الدستور لأصدار فتواهم وتفسيراتهم والتي تتوافق مع استطفافتهم السياسية.

اما القوى السياسية الفاعلة محلياً والتي تنتظر كلمة السر فمعظمها لم  تظهر مواقفها ولا تريد ازعاج حلفائها قبل ان تحصل من الصفقة ما يعوض خسارة الحلفاء ويعتبر النائب وليد جنبلاط والرئيس نبيه بري الأكثر تحرراً في هذا المجال من كل من حزب الله وتيار المستقبل.

 هنا يتبادر الى الذهن سؤال جوهري ما هي امكانيات المرشحين المتضررين على التعطيل في حال تمت تفاهمات اللحظة الأخيرة على حسابهم؟ وعلى من تخونهم الذاكرة او يملكون ذاكرة ضعيفة ما عليهم الا العودة الى تجربة البطريرك السابق الكاردينال مار نصر الله صفير عندما  طلب منه تسمّية بعض المرشحين حيث قدم  لائحة الى القوى المؤثرة عندما ارادت الوقوف على رأيه في الاستحقاق الرئاسي واذا الاختيار يقع على رئيس من خارج اللائحة التي قدمها البطرك .

هذا في حال تم الاتفاق ووصلت كلمة السر، اما اذا ما حصل عكس ذلك فالسؤال الوجيه هو ما هي المدة التي سيتولى فيها فخامة الفراغ المنصب؟

اخيراً لا اعتقد ان هناك مجال لرئيس صنع في لبنان في ظل الوضع  الاقليمي الذي يغلي  على مستوى المنطقة من سوريا الى العراق وصولا الى مصر وغيرها من دول المنطقة التى لا تقل معاناتها ،ومن خلال التجارب السابقة  في اكثر من استحقاق رئاسي او نيابي او وزاري حتى مع ارتفاع اصوات داخلية  تطالب برئيس قوي او توافقي او رئيس عاقل او رئيس يمثل طائفته او رئيس سيادي كما اسلفنا  لأن كلهم يغني لرئيسه والرئيس لن يُعرف بأنتظار نتائج عملية شد الحبال بين القوى الاقليمية والدولية المؤثرة، حيث الرؤية الايرانية ومن يدور في فلكها محليا ودولياً، والرؤية السعودية ومن يؤيدها ويؤازرها خارجياً ومن ينتظر توجهات بوصلتها داخليا.ً

عباس علي مراد

سدني استراليا

Email:[email protected]