أيُعقل يا بشير؟





أيُعقل يا بشير؟
فرنسوا غزافيه الجميّل
إنه الرابع عشر من أيلول، يوم إغتيل الوطن، إنه اليوم المشؤوم في تاريخ لبنان الـ10452 كلم2، إنه اليوم الذي إغتيلت فيه الكلمة الحرّة، إلا أن الغياب في حال رجل بهذه الهالة ليس إلا مزيدا من الحضور والاستحضار الدائمين.
رحل بشير ولم يرحل، استشهد بشير وهو حي يرزق، إغتالوا بشير فتمخّضت شهادته ليولد في كل منزل.
إنه يوم غدرت بك تلك القنبلة، اليوم الذي انتقلت فيه الى جوار ربك متسلحاً بأعمالك وإيمانك، لا يسعني سوى أن أستذكرك بحزن وأسف شديد، دعني أخبرك ما يحصل في وطني يا شيخ.
تغصّ بي الكلمات، أقف صامتاً تارة، ومتسائلاً تارة اخرى.
أذكر جيداً يا بشير يوم طلب منك الياس سركيس أن تبقى في القصر بحماية الجيش، لكنك رفضت لأنك كنت مؤمن بأن الأمور لا تسير سوى بالدستور ولا تستطيع أن تتسلّم مهامك  قبل أن تنتهي مهلة الرئيس الأسبق.
لكن هل تعلم يا بشير أن اليوم كل شيء تغيّر؟ هل تعلم ان رؤساء الجمهوريات يُمدّد لهم بأمر من الخارج او يحلّ الفراغ؟
أيُعقل يا بشير ان رؤساءنا اليوم لا يتركون قصورهم إذا كان الوضع غير طبيعي؟
أيعقل يا بشير أن نبقى أشهر وسنوات لتأليف حكومة بعد 40 عاماً على إستشهادك لانه على عكس ما كنت تقول "الكل بيجيب عيلتو وقرايبو عالإدارة"؟
أيعقل يا بشير بعد 40 عاماً أن تُنتهك أرضنا ويموت أولادنا ضحايا فشل الدولة وعجزها عن المبادرة الجدية لحماية أرضها وسيادتها وضبط السلاح المتفلت في أيدي الميليشيات؟
أيعقل يا بشير أن نكتب قصص القتل والإستشهاد في دفاتر يومياتنا جراء الجرائم والازمات الإقتصادية والمعيشية، علماً انك قلت منذ 40 عاماً أن ارضنا لن تنتهك ولن يموت أبناؤنا؟
أيعقل يا بشير ان الطبقات المتوسطة والفقيرة تعاني الأمرّين لتعليم أولادها، أيُعقل يا بشير أن حق التعليم بات شبه مستحيلاً في لبنانك؟
أيعقل يا بشير أن ينهار القطاع التربوي وأنت من كان حريصا على تعليم الشباب، أتذكر جيداً يوم كنت تحتفل بعيد المعلمين، ويوم قلت ان الوطن يكون سيدياً عندما يكون مربوه صالحين؟
أيعقل يا بشير ان نخاف المرض ودخول المستشفى، لأن شراء الأدوية من الصيدليات بات محالاً؟ وكأنك تدخل عند اللص وتقول له: "أقتلني".
أيعقل يا بشير أن يحصل هذا وأنت من كنت تؤكّد على ان كل الأمور ثانوية أمام كرامة الإنسان والمساواة بين ابناء الوطن؟
أيعقل يا بشير أن شعبك محروم من الكهرباء في القرن الحادي والعشرين؟أيعقل يا بشير أن تفوح رائحة السمسرات من صفقات الطاقة؟
أيعقل يا بشير أن رئيس الجمهورية يتلقى أوامره من ولاية الفقيه؟ علماً أنك كنت دوماً من المطالبين برئيس لبناني الصنع؟
أيعقل يا بشير أن نخاف السير على الطرقات بسيارتنا؟ أيعقل يا بشير أن يموت أبناؤنا على طرقات تفتقد أدنى معايير السلامة المرورية؟ وأنت من كان يكره قلة التنسيق بين مؤسسات الدولة، أتذكر جدياً يوم قلت لنا: "من اليوم ورايح ممنوع شركة الكهرباء تحفر طريق لأنها ما نسّقت مع غير وزارة".
الكلام يطول يا بشير... ستظلّ الحلم وستبقى حيّ فينا.