أستراليا.. حكومة الاحتباس السياسي





أستراليا.. حكومة الاحتباس السياسي

يدرك رئيس الحكومة الفيدرالية سكوت موريسن ان التغيرات المناخية واحدة من اهم القضايا السياسية التي تواجه حكومته، والتي وضعت على نار حامية بعد حرائق الغابات التي اتت على شعبيته التي تراجعت في أول إستطلاع للرأي، والذي أظهر ولأول مرة تراجع شعبية موريسن، بالإضافة الى الألاف من المواطنين الذين شاركوا في المظاهرات التي جابت شوارع المدن الكبرى تطالب باتخاذ إجراءات جدية للحد من انبعاث الكربون ومحاربة ظاهرة الإحتباس الحراري. وهناك تقارير عن رسائل كثيرة وصلت الى مكاتب النواب سواء في المدن او المناطق الريفية تنتقد تلكؤ الحكومة باتخاذ أي إجراء أثناء أزمة الحرائق.

وحسب دراسة صادرة من الجامعة الوطنية فان نسبة كبيرة جداً من الناخبين اعتبروا الاحتباس الحراري القضية الأولى لديهم (93% من ناخبي حزب العمال يقولون بأهمية الموضوع، بينما اعتبر ثلثي ناخبي الائتلاف (الأحرار- الوطني) ان الموضوع مهم او الأكثر أهمية بالنسبة لهم).

ويرى 89% من المدراء التنفيذيين في أستراليا من أصل 150 أستطلعت آراءهم ان التغييرات المناخية "القضية الاجتماعية الاكثر أهمية".

 ودخل على خط التحذير من تداعيات التغييرات المناخية على الاقتصاد العالمي كل من صندوق النقد الدولي ومؤسسة بنك التسويات الدولية  (التي تمثل البنوك المركزية العالمية) محذرة من ان التغيرات المناخية قد تكون السبب في ألأزمة المالية العالمية القادمة.

وكان البنك المركزي الأسترالي قد حذر أيضاً من انه قد يضطر لشراء مناجم الفحم ومحطات الطاقة الأحفورية كجزء من خطة استثنائية لحماية الأقتصاد من كارثة مالية بسبب التغيرات المناخية .(موقع صحيفة ذي سدني مورننغ هيرالد 20/1/2020)

موريسن والذي خفف من خطابه واعترف بأن التغيرات المناخية واقع لا يمكن نكرانه وتُسبب صيف أطول وأكثر حرارة وجفاف، قال ان حكومته سوف تلتزم بإعلان باريس والذي بموجبه على أستراليا ان تخف نسبة الانبعاث الى حدود  28% قياساً على نسبة العام 2005 حتى العام 2030 . وقال موريسن انه يريد ان يوازن ما بين الحد من انبعاث الكربون في الجو والحفاظ على المصلحة الوطنية الأقتصادية الأوسع. لكن البروفسور روس كارنوت الخبير بقضايا التغيرات المناخية يعتقد ان 28% التي تلتزم بها أستراليا بموجب اتفاقية باريس هي الأقل بين الدول المتقدمة.

 يحاول موريسن ان ينحني أمام العاصفة الشعبية، ولكن عينه على الكتلة البرلمانية لحزب الأحرار خصوصاً جناح اليمين، حتى ولو كان طوني أبوت خارج البرلمان، لأن موريسن يدرك كيف وصل الى رئاسة الحزب والحكومة عندما انقلب أعضاء جناح اليمين على مالكوم تيرنبول بعدما قدم الخطة الوطنية لتأمين الطاقة المستدامة،  والتي لم ترق لجناح اليمين فكان تحدي بيتر داتون لزعامته والتفاصيل وان كانت جزءاً من التاريخ لكنها لا تزال حية في ذاكرة وتوجهات معظم كتلة الحزب، والتي حسب التسريبات لا تزال منقسمة على خطوط تماس التغيرات المناخية وان كان موريسن يحاول التعاطي مع أي تداعيات من خلال الموازنة بين جناحي الحزب المعتدلين والمحافظين الذين يعتقدون او لا يعتقدون بالتغييرات المناخية .

وهنا تكمن المعضلة التي تواجه موريسن وحكومته فهذه وزيرة العلوم في حكومة موريسن كارن أندروز تعلن أن العلم حسم مسألة التغيرات المناخية،  وحسب صحيفة ذي سدني مورننغ هيرالد 18/1/2020 دعت الوزيرة الى وقف النقاش حول الموضوع. وتضيف علينا الأعتراف بان المناخ تغير والان علينا التفكير بما يجب ان نفعل لمواجهة التداعيات. وقد أيد تصريحات الوزيرة عدد من النواب منهم ترانت زيمرامن، تيم ولسون، دايف شارما، هولي هيوز، أندرو براغ وفيونا مارتن.

بينما كان النائب من حزب الأحرار غريغ كايلي يصرويجادل على ان التغيرات  المناخية غير حقيقية، وحسب صحيفة ذي أوسترالين ان وزيراً بالحكومة لم يرد الأفصاح عن أسمه حث موريسن على الحفاظ على وحدة الحزب في ما يتعلق بالتغيرات المناخية، وحذر احد النواب البارزين رئيس الوزراء من ان الحديث بالموضوع سوف يؤدي فقط الى تغير المناخ داخل الحزب وتفجيره من الداخل. وقد أيد هذا السيناريو النائب عن الحزب الوطني حليف جزب الأحرار في الحكومة بارنبي جويس الذي قال ان التغيرات المناخية عديم التأثير على حرائق الغابات في المستقبل وسوف تؤثر فقط على الأقتصاد الأسترالي.      

موريسن الذي فاز أيار العام الماضي بالانتخابات بمعجزة كما قال، يحاول ان يحكم بطريقة بعيدة عن المواجهة وحدد سياسية حكومته من خلال الوعود الانتخابية التي ذهب بها الى الأنتخابات، ولكن لا تجري الرياح كما تشتهي السفن دائماً، وكانت حرائق الغابات اول إختبار حقيقي لقيادة موريسن والذي أظهر بعض التخبط  والعشوائية ،من تمضية العطلة السنوية في هاواوي حيث لم يكن المواطنين يعلمون اين رئيس الوزراء، بالإضافة الى تأخره بانزال الجيش للمساعدة في إخماد الحرائق معتبراً ان الامر من مسؤولية حكومات الولايات، وهذا ما لم يشفع له عند المواطنين وان كان لا يستعمل خراطيم المياه لأطفاء الحرائق كما قال.

ان رئيس الوزراء لا يملك رفاهية تضييع الوقت، أو اللعب على الكلام، وعليه إما ان يقود او يواجه مصيره المحتوم، حيث ضيع أكبر فرصة ليثبت قدرته القيادية وتثبيت زعامته، هذا وقد بدأت تظهر تداعيات حرائق الغابات على الأقتصاد وكان اول ضحاياها الفائض بالميزانية وان كان وزير الخزينة جوش فرايدنبرغ يجادل ان الفائض سيساعد في الانفاق لمساعدة ضحايا الحرائق ولم يقل ان الحرائق تسببت بخسائر مادية مباشرة او غير مباشرة تقدر ببلاين الدولارات من خسائر دخل او خسارة الكتلة الخضراء والحيوانات التي نفقت نتيجة الحرائق.

وبهذا الخصوص يقول روس كارنوت  في مقالة له في (س م ه 18/1/2020) ان عدم الاقدام ومعالجة قضية  الاحتباس الحراري قد يؤثر على الامن والازدهار، ويعتقد ان هناك فرصة على أستراليا ان لا تفوتها وتكون رائدة في انتاج الطاقة النظيفة، حيث انها غنية بالمصادر التي تنتج هذه الطاقة، وتخفض سعر الطاقة وتصل الى نسبة صفر تلوث، ولكن يستدرك ويقول لكن السياسات السيئة والافتقارالى القيادة قد يذهب تلك الفرصة أدراج الرياح،واعرب عن تفاؤله بتصريحات رئيس الوزراء حول الموضوع ولكنه دعى الى التحرك بسرعة.

ويعتقد أحد نواب حزب الاحرار ان وقت الكلام انتهى وعلينا ان نقرن القول بالفعل، ويضيف " نحن نقول ان انبعاث الكربون ينخفض بينما في الحقيقة يرتفع" ويقول أيضاً اننا نعترض لان الاستثمار في الطاقة المتجددة مرتفع  ومكلف جداً، ولكن الحقيقة ان السبب هو خططنا الفوضوية ، ولذلك نرى الحكومة كالدجاجة المذبوحة، يوزعون الأموال يميناً وشمالاً وبدون تفكير. فلماذا العجب ان لم يكن لدينا مصدقية في هذا الامر.

إذن، الكرة الان في ملعب رئيس الوزراء سكوت موريسن، إما ان يقدم ويحارب الاحتباس الحراري بالحد من انبعاث الكربون او ان يكون حبيس الاحتباس السياسي داخل الحزب والحكومة، وندفع الثمن كدولة ومواطنين!

عباس علي مراد

سدني   

[email protected]