المطران طربية: "أنوار القيامة تشرق علينا... فننطلق من جديد في حياة الإيمان"

المطران طربية: "...هذا الإضطهادُ نجدُه في حملةٍ منظَّمةٍ في المدارسِ والجامعاتِ لرفضِ التعاليمِ الإنجيليةِ والمسيحيةِ وإفراغِها من مضمونِها..."




المطران طربية: "...هذا الإضطهادُ نجدُه في حملةٍ منظَّمةٍ في المدارسِ والجامعاتِ لرفضِ التعاليمِ الإنجيليةِ والمسيحيةِ وإفراغِها من مضمونِها..."

رسالة صاحب السّيادة المطران أنطوان- شربل طربيه بمناسبة عيد الفصح 2019

وقام في اليوم الثالث

أيُّها الإخوةُ والأخوات، أبناءَ وبناتِ أبرشيتِنا المارونية الأحباء،

1.       إنّ الخبرَ السارَّ في صباحِ اليومِ الثالثِ نسمعُه من الملاكِ الجالسِ على بابِ القبرِ، يبشِّرُ المريمات قائلاً: "انَّه ليس هنا ...لقد قامَ مثلما قال!" (متى 28: 6) إنه الحدثُ العظيمُ والعيدُ الكبيرُ، عيدُ أعيادِنا ومحورُ حياةِ الكنيسةِ والمؤمنينَ، لأنَّ كلَّ احتفالٍ ليتورجيٍّ كنَسيٍّ لا يمكنُ ان يتِمَّ إلا في حضورِ المسيحِ الربِّ القائمِ من الموتِ، والمُمجَّدِ والذي أصبحَ باكورةَ الراقدين.

2.       وقيامةُ الربِّ يسوعَ من ظُلمةِ القبرِ منتصراً على الموتِ والشرِّ والخطيئة، تُشكّلُ دعوةً عامةً لجميعِ المؤمنينَ به لكي لا يعيشوا بعدَ اليومِ في ظلامِ القبورِ والخوفِ والشكِّ والترددِ، بل أنْ يَخرجوا ويفرَحوا بأنوارِ المجدِ والقيامةِ مع أبناءِ النُّور.

3.       ولكنَّ البعضَ من أبناءِ الكنيسةِ اليومَ يعيشونَ في ظلمةِ القبرِ، وهم بحالةٍ من الخوفِ والحَيْرَةِ والشكِّ، ويتردَّدونَ في المُجاهرةِ بإيمانِهم، ومحبتِهم للربِّ يسوعَ، ليس بسببِ الأخطاءِ والفشلِ بعيشِ تعاليمِ الإنجيل، الذي يُرافقُ مسيرةَ الكنيسةِ وشهادتَها أحياناً وحسبُ، إنما أيضاً بسببِ الطُّرقِ الجديدةِ المُتَّبَعةِ في المجتمع الاوسترالي أو في غيرِه من المجتمعات، لاضطهادِ الكنيسةِ وأبنائِها بشكلٍ علنيٍّ أو مُقنَّع. هذا الإضطهادُ نجدُه في حملةٍ منظَّمةٍ في المدارسِ والجامعاتِ لرفضِ التعاليمِ الإنجيليةِ والمسيحيةِ وإفراغِها من مضمونِها وفائدتِها، أو في وضعِ تشريعاتٍ وقوانينَ تتناقضُ مع التعاليمِ المقدَّسةِ أو تهدّدُ ممارسةَ الحُرياتِ الدينيةِ، فيجدُ البعضُ أنفسَهم مُحرَجينَ وخائفينَ، يرددونَ كلامَ بطرسَ الرسولِ في لحظةِ ضعفِه: "لا أعرفُ هذا الرجل" (متى 26: 72).

4.       وخِبرةُ الموتِ والشكِّ ترافقُ مسيرةَ الانسانِ من البَدءِ حتى اليوم. فكم يشعرُ المرءُ بمرارةِ الحياةِ عندما يَصرَعُ الموتُ عزيزاً عليه، أو عندما يُصابُ بمرضٍ عُضَالٍ يجعلُه بمواجهةٍ يوميّةٍ مع الموت. ويختبرُ الانسانُ الموتَ والشكَّ أيضاً عندما يفشَلُ في عملٍ مُعيّن، أو عندما يتعرضُ للظلمِ والخيانةِ أو للغشِّ والعذابِ النفسيِّ والاجتماعيِّ.

5.       ويُطلُّ علينا عيدُ الفصحِ، فإِذا بملاكِ الربِّ يدحرجُ الحجرَ عن بابِ القبرِ لتُشرقَ علينا أنوارُ القيامةِ كما في كلِّ سنة، لتَكشَحَ عنا ظُلمةَ الموتِ، ولتُزوّدَنا بالقوةِ الروحيّةِ، فننطلقَ من جديدٍ في حياةِ الايمان، مرددينَ بحسبِ ليتورجيتِنا المارونية "إنّ المسيحَ قد قام، فافرحوا أيُّها الأنام." فالذين حملَهُم إيمانُهم إلى لقاءِ المسيحِ القائمِ من القبر، تغيّرتْ مسيرةُ حياتِهم من خيبةِ الاملِ والاحباطِ الى عيشِ الفرحِ والشهادةِ للقيامة. فخِبرةُ تلميذَيّ عمّاوسَ هي خيرُ دليلٍ على ذلك، ولقاءُ الرُّسُلِ مع الربِّ يسوعَ بعد قيامتِه أعطاهُم كلَّ ثقةٍ وشجاعةٍ، وزرعَ فيهم الرجاءَ الصالحَ وحررَهُم من الخوفِ والشكِّ، فانطلقوا حاملينَ البُشرى السارةَ للشعوبِ والأمم، وسَطَ الاضطهاداتِ والعذابات، مخاطِرينَ بحياتهم في سبيلِ مَن آمنوا به وأحبُّوه، وهو الربّ يسوع.

6.       وهكذا يصبحُ عيدُ الفصحِ، عيدَ تجلٍّ لِسرَّيْ الايمانِ والمحبةِ في هذا اللقاءِ الشخصيِّ بين المؤمنِ أو المؤمنةِ والربِّ يسوعَ المسيحِ القائمِ من الموت. هذا اللقاءُ هو الأساسُ في اتِّباعِ الربِّ والمَدخلُ للشهادةِ لقيامتِه، ومِن دونِه يبقى الإيمانُ سطحيّاً، وقد لا يقودُ الى الغايةِ المرجُوَّة، أي الخلاص.

أيُّها الأحباء،

7.       نصلي مع بعضِنا البعضِ في هذا العيدِ المبارَك، لكي يعيشَ كلٌّ منّا الدعوةَ التي دعاه اللهُ إليها، فنعملَ معاً لأجلِ إحقاقِ الحقِّ وإحلالِ العدلِ والسلامِ في مجتمعِنا، فلا يعودَ هناك من يتسرّعُ بإطلاقِ الاحكامِ الجائرةِ وإدانةِ الآخرينَ جِزافاً قبلَ جلاءِ الحقائقِ، ولقد حذّرَنا الربُّ يسوعُ من ذلك حينَ قال: "لا تُدينوا لئلا تُدانوا" (متى 7:1). ونصلي أيضاً كأبناءِ القيامةِ لكي يكونَ المرجِعَ الوحيدَ والمُطْلقَ للحقيقةِ بالنسبةِ لنا، شخصُ الربِّ يسوعَ المسيحِ وتعليمُه، وكلُّ ما عدا ذلك من أخبارٍ وإشاعاتٍ تصْدرُ من هنا وهناك، يجبُ التحقُّقُ من صحتِها وتَفحُّصُها، قبلَ نشرِها والأخذِ بها.

8.       إنَّ رسالةَ التبشيرِ في الكنيسةِ هي مسؤوليةٌ مشترَكةٌ بين العِلمانيينَ والمُكرَّسين، وتنطلقُ من تلبيةِ النداءِ لاتِّباعِ الربِّ يسوعَ، والايمانِ بقيامتِه، وتتجسَّدُ بعيشٍ حُرٍّ وواعٍ لروحانيةِ الإنجيل. في هذا الإطارِ كان المجمعُ الأبرشيُّ وانطلاقةُ سنةِ الروحانيةِ المارونيةِ في أبرشيتِنا، والتي تهدِفُ من خلالِ البرامجِ الموضوعةِ الى التجدُّدِ الروحيِّ والرَّعائيِّ والايماني. فالإيمانُ ليس عبادةً وعقائدَ وحسبُ، إنما هو عيشٌ ملموسٌ للفضائلِ المسيحية، واعتمادٌ واضحٌ للشَّفافيّةِ كمَنهجِ حياةٍ، وحضورٌ أخَويٌّ وإنسانيٌّ إلى جانبِ الذين يبحثونَ عن علاماتِ الحبِّ والرجاءِ في حياتِهم.

9.       ونُصلي في الختامِ لكي تكونَ البُشرى السارّةُ بأنَّ المسيحَ حيٌّ وحاضرٌ، وهو يسيرُ معَنا على دروبِ الحياة، مصدرَ نِعَمٍ وسلامٍ وفرحٍ عليكم جميعاً. ولأنّنا بالرجاءِ مُخَلَّصُونَ، فلْنُردّدْ بإيمانٍ قائلين:

المسيحُ قام ....حقاً قام!

ونحن شهودٌ على ذلك!

+ المطران أنطوان-شربل طربيه

راعي أبرشية أوستراليا المارونية

عيد القيامة المجيدة، 21 نيسان 2019









 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
حقوق الطبع 2007 - تيميس.كوم الشرق الاوسط